اجتماعية مقالات الكتاب

لا.. حتى يبقى الود

جميل أن نتحلّى بالأخلاق الحميدة وأن تغشانا سماحة الطبع وأن نكون من جابري الخواطر محتسبين الأجر والثواب من عند الله، وإن كانت أبواب الثواب والأجر مفتوحة على مصراعيها لمن يتلمس أماكنها ويسعى إليها دون أن يكون ذلك على حساب راحته النفسية. بين تلك السماحة القديمة وقانون الإستحقاق الحديث، فقدنا القدرة على التحديد هل نستطيع ومتى وكيف؟

حول هذا الموضوع يحضرني الفيلم الأمريكي للممثل جيم كاري بعنوان (yes man) عن رجل اعتاد أن يقول لا دائماً وأثر ذلك على حياته الشخصية والعملية وعلى علاقاته بأصدقائه، لتغيير ذلك يقوم بالتوقيع على معاهدة لأحد مطوّري التنمية البشرية بأن يقول نعم دائماً، تحولت حياته بعد تلك المعاهدة فأصبح منفتح على الآخرين متقبلاً لهم، إلى أن أوصلته تلك ال نعم للمشاكل بسبب تراكم الأمور عليه وعدم رفضه لكل ما يطلب منه.

في تصوري أننا إذا أردنا تحليل الموقف من وجهات نظر متعددة ، سننقسم إلى فئتين كأغلبية مع قلة من أصحاب العقول النيّرة، فئة تبقى في منطقة الراحة متمسكة برفضها لكل ما من شأنه أن يصيب “بوجع الراس”، وفئة ترى أن الحياة لا تحتمل البقاء وحيداً حتى لو كانت “بوجع راس وقولون وارتجاع معدة”. وإن كان ذلك يترتب عليه قلة الراحة.

في مقياس هيرمان تصنّف هذه الفئة بالإنتماء للحرف”c” وهم العاطفيون، ويميل أصحابها للمجاملة حتى على حساب من في محيطهم سواءً أبناء أو مقربين وقد يُقحموا في الأمر على اعتبار أنهم جزء منه دون الأخذ في الاعتبار موافقتهم من عدمها.
على المستوى الشخصي ، طُلب مني في أحد الأيام تقديم دورة تدريبية لمدة خمسة أيام، وفي الوقت نفسه كنت مشغولة في التخطيط لمشروع ما، بالإضافة إلى وظيفتي الأساسية، وكانت الدورة تتطلّب السفر خارج مدينتي ولأنني كنت في ذلك العهد من الفئة الأولى لم أستطع الرفض وقبلت بالأمرين معاً، ممّا جعلني أشعر بربكة عالية وتضارب في المواعيد، فعرضتَ على إحدى الصديقات أطلب رأيها في الأمر بحثاً عن حل.

• لو كنتِ مكاني ، ماذا كنتِ ستفعلين؟
– أقول: لا
نظرت نحوها باستغراب فعلى بساطة الكلمة استنكرتها فلم أكن معتادة عليها إلا أنه كان لابدّ من تلك ال “لا”.
وبالفعل تواصلت مع مركز التدريب واعتذرت لهم بوعدٍ في وقت لاحق أكون فيه أكثر تفرغاً.
بمجرد اتخاذي لذلك ا لقرار ،شعرت براحة ووجدت أن الأمر لم يكن بتلك الصعوبة على الأقل تيقّنت من خلاله أننا مهما عظمت قدراتنا فهي محدودة وأننا لو بالغنا في تحميلها ما لا طاقة لها بها ستصل لمرحلة التحميل العالي الذي يصنع نوعاً من الانفجار لا تحمد عقباه.
باختصار، ليس مطلوب منّا أن نقول “نعم” في الوقت الذي يجب أن نقول فيه “لا”.

eman_bajunaid@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *