القهوة السعودية المُرّة، مع شيء من تمر قليل، هي الملاذ الوحيد الذي يلجأ إليه هذان الشيخان الطاعنان في السن في هذا المكان كل يوم يتبادلان فيه القصص والحكايا التي لا تنتهي حول الحياة التي عاشاها في الماضي وما يريانه الآن من تحوّلات قاسية لم يتكيّفا عليها.
يمدّ أحدهما فنجال القهوة الفارغ طمعاً في شرب المزيد منها لكن الشاب المراهق الذي أوكلت إليه مهمة صبّ القهوة لهما لم ينتبه له. أخذ الشيخ الطاعن في السن الذي أرهقه ضغط الدم يحرّك الفنجان الفارغ بيديه يُمنة ويُسرة في غضب واضح ليلفت انتباه الشاب المراهق دون جدوى. كان المراهق غارقاً في شاشة هاتفه المحمول يبتسم لوحده كما لو كان مجنوناً يعيش في عالم بعيد عن القهوة والشيخين الكبيرين. لم ينتبه المراهق المسكين لما يدور حوله إلا بعد أن شعر بضربة قوية على جبهته آلمته كثيراً. كان الشيخ الكبير قد نفد صبره، بسبب الضغط والسكّر وأمراض أخرى لم يتم تشخيصها بعد، ورمى الفنجان في وجه هذا المراهق وهو يشتمه بألفاظ لا يعرفها إلا قلة قليلة باقية.
لم تظهر بعد نتائج الدراسات والبحوث التي تكشف عن الأضرار النفسية والاجتماعية التي جاءت مع تقنية الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي. لكن الجيل القديم من أمثال صاحب فنجان القهوة أعلاه يعتقد جازماً أن هذه التقنية تجرّ مع حسناتها المؤقتة والمزيفة ويلات يصعب حصرها بدءاً من التغافل عن أداء الواجبات الاجتماعية والتقصير فيها كما فعل هذا المراهق قبل قليل، وانتهاءً بالأمراض والعلل الصحية والنفسية التي قد تظهر لاحقاً بسبب هذا الانغماس الكامل بهذه الموجة الجديدة التي ازدهرت وتطوّرت مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
لكن دراسة حديثة تم نشرها في مجلة علمية مرموقة كشفت اللثام عن الضرر الذي تلحقه الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي بالمراهقين الذين أصبحوا بعد عام 2012م يميلون إلى الوحدة والانعزال، وارتفعت هذه المعدّلات إلى مستويات غير مسبوقة في السنوات اللاحقة مع انتشار شبكات التواصل مثل فيسبوك وتويتر وتقديم المزيد منها مثل انستغرام الذي يبدو أن له تأثيراً ضاراً على الفتيات على نحو خاص بسبب قضايا المقارنة أو ما تسميها الدراسة compare and despair حيث يطلعن على منشورات يبعثها الأصدقاء والغرباء تظهر فيها الوجوه والأجساد والحياة بطريقة مثالية لا تمت للواقع بأي صلة، الأمر الذي يصيب الفتيات بالحزن والكآبة.
وجدت هذه الدراسة ارتباطاً بين الاستخدام الزائد للهواتف الذكية والارتفاع في المشكلات الصحية كالوحدة والكآبة وملحقاتهما من الأمراض التي تنتشر عند الغرب والتي تتطلّب التدخّل، واقترحت الدراسة تخصيص أوقات استراحة طويلة بعيداً عن هذه الهواتف، وتأجيل دخول هؤلاء المراهقين لهذا العالم حتى سن 14 أو 15 سنة، وإبعاد هذه الأجهزة عن أيديهم وقت النوم الذي يجب أن يكون كافياً وفي وقته المعتاد كل ليلة.
khaledalawadh@