اجتماعية مقالات الكتاب

مئة دقيقة من العزلة

الشخصية الإجتماعية التي تغلِّف طباعي قد تكون عائقاً بيني وبين أن أقدم على خطوة العُزلة ليوم كامل ما بالكم بمئة عام من العزلة.

وهذا ما يحمله اسم الكتاب الذي ترجم لأكثر من مترجم، أو حتى أربعون يوم من العُزلة كما يدعو إليها البعض من المتصوفة، على الرغم من حاجتي الملحّة لخطوة من هذا النوع، إنما ما الذي يجعل هذه الخطوة أمر مهم لكل بني البشر؟

بعيداً عن كل الدراسات الحديثة التي نادت بالتأمل بأنواعه المحمودة وغير المحمودة والصحيحة والمخطئة، فاحتياجنا لقضاء أوقات لا يشاركنا فيها شخص آخر ننزع خلالها ما يخالج دواخلنا دون الخجل من وجود مترصِّد يقف داخل هذا العقل المرهق بالكثير من المهم والتافه، وسمِّها ما شئت عُزلة أو خُلوة أو تأمُّل.

في نهاية الأمر هي وقت مستقطع من حياتك تترك فيه كل ما ينهكه من مسؤوليات ومهام وواجبات وفروض وتبقى فيها تراجع ماذا تريد حتى لو كان ما تريده فقط لا شيء، فحتى هذا اللا شيء أمر مشروع وهو من أبسط حقوقك بتصنيفك من بني البشر، وليس لكائن من كان الحق في حرمانك من اللا شيء خاصتك، ولعل أخي الأكبر بسطّها بعبارة مختزلة وهي: ( أحتاج أجمع حواس، أو أطالع في السقف ) ومن منّا لا يحتاج أن يطالع في السقف في لحظة ما في يوم ما من الثلاثمئة وستون يوم؟

(كلما ترفّه الجسد تعقّدت الروح) ،عبارة سمعتها من أحد المؤثرين وتأملتها جيداً حتى أتحقق من مدلولها وإن كنت في بادئ الأمر أصبت بنوع من الإنزعاج، لماذا عندما ندلّل أجسادنا نرهق أرواحنا؟
ألا نستطيع أن نحصل على الإثنين معاً أقصد الرفاهية؟

كم نحن قوم محظوظون فديننا الإسلامي هيأ لنا العديد من الأوقات خلال اليوم نستطيع خلاله أن نمارس رغبتنا في العُزلة دون أن يترتب عليها إرتباك في مسيرة هذا اليوم، ولعل أقربها الوقت ما بين صلاة الفجر إلى الإشراق هذا باعتبار أننا نصلي الفجر في وقته، وأوقات التسبيح بعد كل صلاة، وأكثرها هدوءاً واعتزالاً قبيل صلاة الفجر في الوقت الذي يكون من حولك في حالة من السكون.. تجعل من خلوتك أمر في غاية التجلّي، لعلي أطلق عليها لحظات البوح الوجداني، هي قناة تصفية تكون بعدها في أعظم حالات الرضا، حتى لو كانت مشحونة بالشجن، فالمنصت سبحانه في علاه نزل إلى السماء الدنيا ليسمع فضفضتك وإن لم تنطقها.

من منظوري ونحن نعيش في هذه الحقبة التي تزاحمت فيها المتطلبات وأصبح كل واحد يشكو التيه وتشابهت مشكلاتنا في مصدرها ، نحتاج أن نصنع وقتاً للعُزلة في كل يوم، لا ينتهي يومنا إلا وقد حصلنا على تلك الفترة التي نعود بعدها أكثر إنفتاحاً وتقبّلاً للقادم بعد أن قمنا بعملية فلترة للسابق، لإيجاد مساحة نستطيع فيها إستيعاب ما سيتم إستقباله.

eman_bajunaid@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *