اجتماعية مقالات الكتاب

اختبار في اللغة

كان العمل الإعلاني في المطبوعات ذات الإنتشار الواسع من الأعمال المميّزة إجتماعياً ومادياً وهو تخصّص أدركت أهميته القلّة من الناس الذين عرفوا أسراره وخفاياه وخطورته في العملية التسويقية وتحديداً في مرحلة الطفرة التي عاشتها بلادنا في الثمانينيات الميلادية حيث انهالت الميزانيات الإعلانية من الشركات الأجنبية لتسّويق منتجاتها بكافة أصنافها الإستهلاكية منها والمعمّرة والتعريف بخدماتها في المجالات العامة والخاصة ونشطت اثر ذلك الوكالات الإعلانية الوافدة من أوروبا وبعض الدول العربية وقد أغراها تدفّق ميزانيات الإعلان في السوق المحلي.

كما بدأت الوسائل الإعلانية المطبوعة والمسموعة والمرئية مثل الصحف والمجلات ومحطات البثّ الإذاعي وقنوات التلفزيون بالإضافة الى إعلانات الطرق.

تطلبت هذه الطفرة التسويقية كوادر بشرية متخصصة في هذه الصناعة لسدّ الحاجة المتسارعة للحملات الإعلانية الدولية والمحلية وتشرفت أن كنت ضمن الذين خدموا هذه الصناعة مدة عشر سنوات اعتبرها اليوم من الأفضل في تجربتي العملية والشخصية .

كنا يومها ضمن فريق العمل لمجموعة إعلامية مرموقة بصحفها اليومية التي صدرت بأربع لغات ومشهورة بمجلاتها الأسبوعية والشهرية واسعة الإنتشار ليس في المملكة وحسب ولكن في العالم العربي من المحيط الى الخليج وفي كثير من دول أوروبا بسبب كثافة الوجود العربي وخاصة في الصيف.

في خضم هذه الورشة الإعلامية التي تحتضنها مجموعتنا والتي تعدّ قلعة النشر الكبرى التي تصدر ما يزيد عن أربعة عشر صحيفة ومجلة في كافة التخصصات ولجميع الفئات العمرية .

تقدم لوظيفة مصحح باللغة العربية ، موظف جديد للعمل ضمن فريق الشركة التي تعدّ الذراع التسويقي للمساحات الإعلانية في مطبوعات المجموعة
ووقع عليّ الإختيار من رئيس الشركة بالقيام بإختبار قدرات الموظف الجديد نظراً حسب سعادته بأني الأنسب في فريقه لهذه المهمة ، وهذا حسن ظن منه ليس إلّا .

دخل المتقدم الجديد مكتبي هادئ المظهر متواضع الصوت ثابتاً واثقاً من خطاه ونفسه فأحسست عند دخوله بهيبة البساطة ووقار الثقة .
كانت مهمتي إختبار المتقدم ” زايد الآذان” وهذا اسمه في مستوى لغته العربيه وقياس قدرته على تصحيح النصوص الإعلانية التي يصمّمها القسم الفني.

قضيت مع المتقدم الجديد قرابة الساعة إستخدمت خلالها ما عرفت من أساليب التقّييم العملي والنفسي ما استطعت مأخوذاً بمعرفتي اللغوية متباهياً باختياري من رئيس الشركة بصفتي الأفضل في اللغة العربية وكان ” زايد الآذان ” مستعداً في هدوء لكل ما أثرته في هذا الإختبار والذي كان شفوياً أكثره أو كله على ما أذكر ثم مضى يلفّه الهدوء لينتظر اتصالاً من إدارة الموظفين الذين استلموا ملاحظاتي بسلامة لغته ومناسبته للعمل كمصحّح في القسم الفني بالشركة

وبعد يومين من هذه المقابلة وهذا الاختبار الذي أخرجت فيه ما قدر الله لي أن اعرف من نحو وصرف وإعراب وتصاريف لغوية وبعض الشعرإكتسبتها من القراءة والكتابة والسماع والشغف باللغة ، راجعنا السيد “زايد الآذان” وبعد أن استلم خطاب تعيينه جاء الى مكتبي ومعه هدية في حقيبة عرفت وهو يخرجها أنها مجموعة من الكتب تجاوزت الخمسة ووجدتها جميعها في فقه اللغة والنحو والصرف وعروض الشعر ولكن الذي فاجأني في الهدية ومن المتقدم
الجديد أن جميع الكتب تحمل اسم نفس المؤلف وكان
ممهوراً على أغلفتها اسم المتقدم للوظيفة: ” تاليف زايد الآذان “.
لا زال الإحساس بهيبة البساطة وتواضع العلماء يغمرني كلما تذكّرت هذا الموقف حتّى بعد أكثر من عقدين فلقد كان من الأولى أن أكون أمامه في موقف التلميذ ولا زلت كذلك أمام وقار معرفته .

sal1h@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *