تعرَّف نظم المساءلة على أنها واجب المسؤولين عن الوظائف في تقديم تقارير دورية حول سير العمل في المؤسسة التي يعمل بها، وذلك بشكل يتم فيه توضيح قراراتهم وتفسير سياساتهم، والاستعداد لتحمل المسؤوليات المترتبة على هذه القرارات، والالتزام بتقديم تقارير عن سير العمل في مؤسستهم، يوضح الإيجابيات والسلبيات، ومدى النجاح أو الإخفاق في تنفيذ سياساتهم في العمل.
ويهدف ذلك إلى التأكد من أن عملهم يتفق مع قيم العدل والوضوح والمساواة، والتأكد من توافق أعمالهم ومسؤوليتهم مع الحدود القانونيّة لوظائفهم ومهامهمّ؛ مما يكسبهم الشرعية والدعم المقدمين من الجمهور، وتفترض أنظمة المساءلة الفعَّالة وضوح الالتزامات والمسؤوليات والاختصاصات، والأطر الناظمة لعملهم، وقنوات الاتصال الداخلي والخارجي، فالمساءلة بمفهومها العام تفرض على كل من حصل على تفويض من جهة معينة بصلاحيات وأدوات عمل أن يجيب بوضوح عن كيفية التصرف، واستخدام الموارد والصلاحيات التي وُضعت تحت تصرفه، وتفترض المسؤولية أن يتحمل المسؤول نتائج أعماله.
وعن واقع هذا الأمر في العمل الإنساني وأهميته، فإن طبيعة العمل الإنساني كما نعرف من مرونة وانسيابية واعتماده في الكثير من إجراءاته وممارساته على الضمير الأخلاقي للفرد أو الفريق ، كل هذا يولد محاذير خطيرة من وقوع الكثير من العاملين فيه تحت مغبة الخروج عن الإطار الأخلاقي حالة عدم وجود أنظمة صارمة للمراقبة والمحاسبة التي توجه المساءلة للعاملين فيه.
لذا كانت آلية المساءلة إحدى أهم أدوات الرقابة في إطار مكافحة الفساد في مجال العمل الإنساني، فهي تعد معيارًا ضابطًا للأداء في هذا المجال، وأداة تقويمية للأشخاص العاملين في مؤسساته، وذلك عندما تتم محاسبتهم من قبل الهيئات المخولة بذلك رسميًّا، أو من قبل مؤسسات المجتمع المدني والرأي العام، للحد من الخروقات، والانحراف في عمل الأفراد والمؤسسات الإنسانية التي قد تحيد عن مسارها الصحيح إذا ما ضعفت أشكال المحاسبة، أو جرى الحد منها عمدًا.
ويشير كثير من العاملين في ميدان العمل الإنساني إلى صعوبة تطبيق المساءلة بمعناها الصارم، ففي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال (ديفيد بينبريدج) مدير إدارة الكوارث بمنظمة تيرفاند إن «المزيد والمزيد من المنظمات تقوم الآن بتحسين مستويات المساءلة من قبل المستفيدين من خلال وضع إجراءات للشكاوى، وتعيين موظفين يمكن لمتلقي الإغاثة الاتصال بهم، ولكن مثل تلك المساءلة لا يمكن أن توصف بعد بأنها القاعدة السائدة»، وهذا واقع مفهوم المساءلة في هذا المجال نظرًا لاتساع رقعته ومرونته وانسيابيته، ولكن ينبغي بذل كل ما في الوسع لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه في الرقابة من باب: ما لا يدرك كله لا يترك جله.
رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالأمانة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر – عضو المركز الدولي للدبلوماسية الإنسانية.