* إذا كان الصراع بين بني البشر قد نشأ فطريَّا، فإن الدبلوماسية الإنسانية ظهرت من السلوكيات المكتسبة التي تعلمها الإنسان. ولكن كيف نشأت الدبلوماسية الإنسانية بهذه الطريقة؟ المرارة التي اعتصرت قلب (قابيل) أول من نزع فتيل الصراع بعد أن قتل أخاه هابيل ، ثم وقف مشلول التفكير بعد هذا السلوك الغريزي ، وبدأ التساؤل الإنساني: أيتركه في الخلاء للطيور الجارحة وللوحوش؟ وخطر له حينئذ خاطر أن يحمل جثة هابيل على ظهره، واستمر يحمل أخاه على ظهره ويضعه، حتى رأى غرابًا حيًّا وآخر ميتًّا، وإذ بالمفاجأة، إن الغراب الحي يحفر في الأرض بمنقاره ورجليه حفرة ليواري سوأة أخيه، إلى أن انتهى من الحفر، فجذبه، ووضعه في الحفرة وغطاه بالتراب، وانصرف.
فلما رأى قابيل ذلك عجب من أمره وقال: «يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين»، لكن ما لا يُتَعَلَّمُ بالفطرة، يُتَعَلَّمُ بالاكتساب، ففعل قابيل مثلما فعل الغراب، فوارى سوأة هابيل، ليكون دفن الإنسان لأخيه الإنسان أول سلوك – في رأيي – يتضمن في مفهمومه أنواع السلوكيات الإيجابية التي يقدمها الإنسان لأخيه.
وهكذا انطلقت الشرارة في مجال العمل الدبلوماسي الإنساني مكتسبة وهذا ربما يفسر الصعوبات والتحديات التي تجابه العاملين في مجال الدبلوماسية الإنسانية في العالم ، وإحجام الكثير عن التعاطي مع متطلباته، فهو سلوك مكتسب وليس فطريًّا، والسلوك المكتسب دائمًا ما يكون صعبًا على النفس عزيزًا عليها.
وفي سلوك الغراب شيء أثبتته الدراسات الميدانيَّة المعاصرة، وهو أنَّ الغراب يتفرد عن سواه من الطيور بكونه الطائر الاجتماعي الوحيد الذي يحرص على رعاية الفراخ اليتيمة والمعاقة جسديًّا، ، ويوفر لها لقمة العيش عن طريق تشكيل لجانٍ مختصَّة لرعايتها، ومن بين أعضاء هذه اللجان غرابٌ يسمَّى: (المتسكِّع)، تنحصر مهمَّته في التفتيش عن بقايا الطعام المنتشرة على الأرض، فيلتقطها ليغذِّي بها الفراخَ الجائعة، وهذا ربما يفسر لنا الحكمة من كون الطائر الذي علم قابيل هذا السلوك هو الغراب.
رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالأمانة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر – عضو المركز الدولي للدبلوماسية الإنسانية.