متابعات

الخوف آفة المناعة

البلاد ـ مها العواودة

مع تواصل جائحة كورونا وإمساكها بـ” تلابيب ” العالم أجمع فإن ثمة أسئلة تنطلق من معاقلها باحثة عن إجابة شافية عن كيفية تحفيز الأطفال للتعايش مع كورونا وتبديد الخوف من نفوسهم، خصوصا وأن “الوصفة” الطبية تؤكد دوما أن التعرض للخوف والقلق المفرط من شأنه إضعاف الجهاز المناعي بالجسم وأنه عند شعور الشخص بالقلق والخوف، يتأثر الجهاز المناعي فيزيد الجسم إنتاج هرمون الكورتيزول الذي يعارض عمل الجهاز المناعي إذ إنه يتسبب في خفض كمية البروتينات التي تحفز الخلايا المناعية للدفاع عن الجسم ضد أي عدوى مما يقلل من كفاءة الجهاز المناعي ويصبح الشخص عرضة للإصابة بالعدوى أكثر من غيره.

” البلاد ” حملت حزمة من الأسئلة الملحة حول علاقة الخوف بضعف الجهاز المناعي وارتباط ذلك بغزو الفيروسات لجسم الإنسان خصوصا فيروس كورونا، فأجمع عدد من الأطباء وأساتذة علم نفس على أن الخوف الشديد من الإصابة بفيروس كورونا من شأنه أن يقلل من مناعة الإنسان، بل ويكون محفزاً لتوغل المرض في جسده في حال تعرضه للعدوى نتيجة زيادة إفراز الجسم لهرمونات تسبب الالتهابات وتترك آثاراً ضارة على الجهاز المناعي. مؤكدين أن الخوف الشديد المزمن من الإصابة بكورونا والعزلة الطويلة المصاحبة له لها أضرار نفسية أيضاً قد تتسبب في مشاكل عضوية.

داعين في الوقت ذاته إلى ضرورة الالتزام الجاد بالإجراءات الاحترازية في ظل استمرار الجائحة من خلال استخدام القفازات والماسك بالشكل الصحيح، وتجنب دخول الأماكن المزدحمة والعمل على ترغيب الأطفال في استخدامها وممارسة السلوكيات الصحية السليمة التي تجنبهم خطر الإصابة.
وفي هذا السياق تؤكد أستاذة علم النفس وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز الدكتورة عبير خياط ضرورة الالتزام والحرص على اتباع الإجراءات الاحترازية للتعايش الصحي في ظل استمرار الجائحة والتي بات التعايش معها أمراً ضرورياً للتخفيف من الخسائر الاقتصادية الفادحة، وذلك من خلال عدة وسائل أبرزها التقليل من الخروج والزيارات والتباعد الاجتماعي، وتجنب الأماكن المزدحمة وارتداء الكمامات والقفازات، الاهتمام بالنظافة العامة، وغسل الأيدي جيداً بين حين وآخر بالماء والصابون، وتقوية جهاز المناعة وذلك بتناول الأغذية المفيدة.

وعن كيفية تعويد الأطفال على الالتزام بالإجراءات الوقائية ولبس الكمامة أكدت خياط أن التزام الآباء بارتداء الكمامة سيعلم الأطفال الالتزام بارتدائها، وكذلك عدم ترهيبهم منها وإكثار الشكاوى والتذمر أمامهم من مواصلة ارتدائها لساعات طويلة، والعمل على ترغيبهم بارتدائها بشرح ضرورتها بأسلوب ملائم لإدراكهم، وتشجيعهم و مكافأتهم مادياً و معنوياً في حال التزامهم كذلك اقتناء الأشكال المحببة لهم. وترى أن الآباء والأمهات هم المسؤول الأول عن التربية وهم قدوة الأبناء، فتصرفاتهم تترك أثرا كبيرا على سلوك أطفالهم، ولمساعدتهم في التكيف مع التباعد الاجتماعي الذي يفرض حضوره تجنبا للإصابة بالأمراض والأوبئة تؤكد أن على الآباء تقديم الدعم النفسي الذي يشعر أبناءهم بالراحة مع ضرورة تجنب تعنيفهم في حال ارتكاب الأخطاء.

متاعب نفسية
من جانبه قال استشاري الطب النفسي الدكتور عدنان عاشور إن المتاعب النفسية والخوف الشديد يضعف المناعة ويجعل الجسد عرضة للإصابة بالأمراض، وفريسة سهلة للالتهابات وفق دراسات وأبحاث كثيرة.
ونوه إلى ضرورة تعليم الأطفال الفرق بين المتعة والصحة وأن الصحة أهم من المتعة لسلامتهم، مشيراً إلى أن كل الإجراءات الاحترازية تعد حرمانا من المتع من أجل دوام الصحة والسلامة.

تحديات صحية
في حين أكد المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية للشرق الأوسط الدكتور أحمد المنظري أن جائحة كورونا جلبت الكثير من التحديات الصحية النفسية والعقيلة والجسدية التي تؤثر بشكل كبير على الفئات الضعيفة ومنها الأطفال الذين تغير نمط الحياة بالنسبة لهم وبشكل مفاجئ من حرية الحركة والخروج مع الزملاء والأصدقاء والأهل إلى الجلوس في المنازل ولفترات طويلة خاصة أنه معروف لدى الأطفال طاقة كبيرة جدا تستنفد معظمها في اللعب والخروج من البيت. مؤكداً لـ “البلاد” أن منظمة الصحة العالمية وفي ظل استمرار الجائحة عملت على تخفيف الضغوط عن الأطفال المحجورين في المنازل، وذلك من خلال إنشاء الكثير من الوثائق التوجيهية وتقديم الخطط الاستراتيجية لتقديم الخدمات المناسبة واللازمة لهذه الفئة بالتعاون مع الأنظمة الصحية والخبراء والمنظمات الدولية ذات الاختصاص مثل اليونسيف على سبيل المثال، موضحاً أنه تم تنفيذ الكثير من هذه البرامج في هذا المجال وأن المنظمة تعمل على إعداد المزيد خلال الأسابيع والأشهر القادمة في ظل استمرار الجائحة.

تباعد اجتماعي
وعن تطبيق التباعد الاجتماعي مع الأطفال وتعليمهم ضرورة الالتزام به في ظل استمرار الجائحة يؤكد الأستاذ المساعد للصحة النفسية سابقاً في جامعة جورج واشنطن الأمريكية الدكتور وجدي عطية أن الأطفال يرون في الأب والأم قدوة يحتذونها، وطبقا لمعايير السلوك الإنساني لا يمكن للطفل الصغير أن يتعلم سلوكا مغايرا للسلوك الذي يراه أمامه في محيط الأسرة، ولا يمكن حتى للصبي أن يستمع لنصيحة أبيه بعدم التدخين إذا رأى أباه مدخنا، ولا يمكن للطفلة أن تكون متسامحة إذا لمست عكس ذلك في سلوك أمها، موضحاً أن على الوالدين إذا رغبا في تعويد الأبناء على اتباع التباعد الاجتماعي أثناء هذه الجائحة أن يشرحا للأطفال أسباب هذا السلوك الجديد على مجتمعاتنا، وفوائده في تجنب العدوى.
ويرى أن الأهم من ذلك هو ممارسة الأب والأم للتباعد الاجتماعي أمام أطفالهم، فيكون هنا الجمع بين الإقناع بالأسباب والممارسة الفعلية كقدوة سبيلا علمياً وعملياً في ترسيخ هذه القاعدة في سلوك الأطفال.

طريقة مبسطة
كما اعتبر استشاري الطب النفسي والأستاذ المساعد في جامعة تورونتو الدكتور أحمد الشريف ارتداء الكمامة بالأمر غير السهل بالنسبة للأطفال، داعياً إلى اتباع عدة طرق لجعل ارتدائها أكثر سهولة، مع ضرورة إخبار الطفل بطريقة مبسطة وسهلة لماذا يجب ارتداء الكمامة، والحرص الشديد على الإجابة عن أسئلتهم بمرح وبدون صراخ.
وتابع: ارتداء الطفل الأكبر في البيت للكمامة، وتلوينها بالألوان المحببة للطفل أو رسم الأشكال الكرتونية المفضلة لديه، وارتداء الكمامة في البيت أو في الحديقة بعض الوقت ولأكثر من مرة ليعتادوا عليها قبل الخروج جميعها محفزات للطفل لارتداء الكمامة، وكذلك التأكيد للطفل حسب عمره أن ارتداءها والتباعد الاجتماعي لن يطول حتى لا تتكون لديه صورة خاطئة بأن العالم أصبح غير آمن وبالتالي الدخول في مشاكل نفسية”.

علامات القلق
هناك عدد من العلامات التي توضح الإصابة بالقلق المفرط ومن أبرزها: صعوبة في النوم، اضطراب في الشهية سواء بالزيادة أو النقصان، عدم القدرة على التوقف عن متابعة الأخبار، الانفعال الشديد، العزلة الاجتماعية، شراء وتخزين كميات كبيرة من المؤن الغذائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *