اجتماعية مقالات الكتاب

وحده

قبل كل شيء أنا لم أكن أعرف الفرق بين الألم والمعاناة، فكل ما كان يتعلق بالحزن لم يكن قويا ليؤلمنى بذلك العمق..
فى حياة كل منا، موضوعات وذكريات قديمة لا يمكن أن تموت أو تتبخر مع الزمن، فكل قديم يمكن إحياؤه من جديد وقول شيء عنه، كل منا لديه أشياء مخزنة فى ذاكرته يمكن أن تقتله مع مرور الوقت لأنه يعيش تفاصيلها دون توقف حتى تجعله يتوقف هو عن العيش!

الحياة هى ساحة معركة بين القلب والعقل، لا نعول فيها على أحزاننا ولا أفراحنا، فكل شيء يمكن أن يتبدل فى لحظة، بالنهاية نصل لقناعة واحدة لا مناص من الهروب منها أو التفكير خارجها وهى الوحدة.
كل مشاهد الحياة وما تحملها من مواقف تنتهى بالوحدة، بين المحب بصمت والمخلص والمخدوع والأحمق والذكي والكاذب مروراً بالضحية الذي عشق معذبه حتى الموت!

الوحدة فى البداية هى تجربة يمكن التعايش داخلها، لكنها بعد ذلك تتحول لأسلوب حياة، يذهب الجميع إليها بمحض إرادتهم لأنها تجربة غامضة وكل غامض يفتش الناس عنه ظناً منهم أنه جميل، لكنها تجربة ليست لضعاف القلوب، فالوحدة تتطلب قوة كبيرة لخوض تفاصيلها لأنها توصل الإنسان لطريقين لا ثالث لهما، الأول هو الخوف من كل شيء والذى بدوره سيحول الحياة لجحيم، والثانى هو الاكتفاء من كل شيء، وشتان بين الاثنين.

فى تلك التجربة ستجد نفسك لا تنتظر لأن تطلب الإذن أو تعيش لتحقيق الرغبات، فالاكتفاء سيجعلك غير ملزم حتى بتحليل الأحداث أو تبرير المواقف وفق أهواء الآخرين، بالتأكيد هى عادات سيئة فى نظر الغير، لكنها حتماً لن تشعرك بالملل، لأنك غير مضطر لأن تنكر عواطفك فيها أو حتى الأسوأ وهو ألا تشعر بها من الأساس!

ستتوقف فى الوحدة عن الحب، الملذات، احتلال الآخرين لنفسك، الكره، السخرية، الفساد، ستصل لمرحلة من الكمال والنضج والاكتفاء الذي يجعلك تميز الأشخاص بمجرد النظر إليهم، بل وستجد تفسيراً منطقياً يتقبله عقلك حتى لأحلامك، ولن تشعر وقتها بالملل إذا ما قمت بالجلوس على كل كرسي داخل غرفة لا يوجد بها أحد سواك! وفق أهواء الغير أنت مطالب بالحب والولاء، أما وفق أهوائك فأنت مطالب بالعدل، فمن غير العادل على سبيل المثال المهرج الذي يضحك الآخرين وهو يبكي، إنه خير مثال على الدنيا، فهو ببساطة يترجم فوضى المشاعر البشرية التى نعيشها والمليئة بالخداع والوجيعة والألم، حتى في الحب نشعر بمشاعر الكره أكثر من الحب، يبكي المتحابون أكثر من أن يضحكوا، يتفرق الناس أكثر من أن يجتمعوا.

الوحدة ليست جحيما سوى للضعفاء، أما للأقوياء فهى اكتفاء، لأنها تجعلهم يدركون عمق الأشياء ويعطون كل شيء حقه دون أن يموت قلبهم، بالتأكيد ليل تلك الأيام أشد عتمة من ذى قبل، لكن نجومه أكثر إشراقاً من أي يوم آخر، وقتها ستنظر لمرآة حقيقتك وأنت تردد: ليذهب كل من يرغب بالذهاب فأنا لم أعد أربط سعادتي بأي شيء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *