بالرغم من مخاوفنا اللا محدودة، إلا أننا بنظرة أعمق للحياة ،نجد أنفسنا منشغلين بتفاهات لا أساس لها، فكلنا سوف نموت أنت وأنا والجميع، في النهاية ستأتي تلك اللحظة المصيرية وتأخذنا جميعًا، لكن السؤال المثير للإهتمام هو كيف سنموت؟
يحدث أن يموت أحدهم وهو علي قيد الحياة ، نعم هذا صحيح ، فالتمسك بالعادات السلبية أو الأشخاص المؤذية يودي بك للهاوية، فالعاطفة تولد الألم، ولكن هل فكرت من قبل في نجاحات مغلّفة بداخل الفشل؟ علي سبيل المثال : المؤلف والشاعر الأمريكي تشارلز بوكوفسكي بالنظر لحياته ،تجده رجلاً سكيرًا زيرًا للنساء، مفسدًا في كل مكان، لقد كان يسكر على خشبة المسرح أثناء قراءاته الشعرية، ويسيء إلى جمهوره لفظيًا وراهن بالكثير من أمواله، لكن تحت هذا المظهر الخارجي المثير للاشمئزاز، كان هناك رجل عميق مستبطِن يتمتع بشخصية أكثر من غيره، لقد قضى بوكوفسكي معظم حياته مفلسًا، ثملًا، يطرد من وظائف مختلفة، وفي نهاية المطاف، انتهى به الأمر بالعمل في مكتب البريد لحفظ الرسائل، لقد ظل يكتب طوال حياته بلا جدوى، كان مجهولًا تمامًا وخاسرًا، كتب لمدة 30 عامًا تقريبًا قبل أن يحصل أخيرًا على أول صفقة كتاب له، كانت صفقة هزيلة فكتب “لديّ أحد خيارين: البقاء في مكتب البريد والجنون ، أو البقاء هنا واللعب مع الكاتب والتضوُّر جوعاً. لقد قررت أن أتضوّرجوعاً.”
وهنا كان سرد الكاتب بصدق في كتاباته مع نفسه وتوضيحاً لمخاوفه، وإخفاقاته، وندمه، وشعوره بتدمير نفسه، مع اختلاله العاطفي، أخبرنا أفضل وأسوأ ما في نفسه دون أن يجفل، أو يعتذر لنفسه لكنه كتب عن العار والفخر دون قيد أو شرط فقد كانت كتاباته هادئة بمثابة احتضان صامت لرجل جميل بداخله، ما فهمه بوكوفسكي عن نفسه، والذي لا يفهمه معظم الناس، هو أن أفضل الأشياء في الحياة يمكن أن تكون قبيحة في بعض الأحيان .فالحياة فوضوية، وجميعنا متورطون قليلاً بطريقة خاصة في تلك الفوضي، تأكد بأنك لن تحصل على جانب سعيد في الحياة دون جانب تعيس، فمثلاً لن تحصل على الحب دون ألم ،وهنا يمكن فهم أنه لا يمكنك الحصول على المعنى والعمق دون
تضحية ،حيث يعتقد معظم الناس في الحياة أن كل ما علينا فعله هو العثور على شيء ما ليستقر كل شيء في مكانه، كأمر تقوم به وتفعله حتى يوم مماتك تجني منه أموالاً وحياة رفاهية، لكن حقيقة الأمر، نحتاج فقط إلى شيء واحد ، وهو العثور على الشغف والهدف الحقيقي في حياتك. فأنت مهّما سعيت ، لا يمكن أن تستيقظ يومًا ما وتصبح سعيدًا بفعل شيء واحد إلى الأبد، يجب عليك تجربة شيء ما، والانتباه إلى ما تشعر به، وتعديله ثم المحاولة مرة أخرى ،فلا أحد ينجح في المحاولة الأولى أو العاشرة.
ما فهمه بوكوفسكي أكثر من أي شخص آخر في حياته ،هو أن القيام بما تحب لا يعني دائمًا حب ما تفعله ، فهناك تضحية متأصلة في ذلك تمامًا ، مثل اختيار الزوج، ليس شرطاً أن يكون اختيار ذلك الشخص الذي سيجعلك سعيدًا طوال الوقت، بل اختيار الشخص الذي تريد أن تكون معه حتى عندما يضايقك.