اجتماعية مقالات الكتاب

هل المركزية في الإدارة فعالة؟

مفهوم الإدارة المركزية هو :”حصر وتجّميع صلاحيّات اتّخاذ القرارات في يد سلطة واحدة رئيسية، تنفرد بالبتّ في جميع إختصاصات الوظيفة في إدارة أو شخصٍ واحد أو عدد محدود من المديرين” ، ومن هنا فإنّ المركزيّة تعني: أن تكون السُّلطة محصورة بيد المستوى الإداريّ الأعلى، بحيث يمكنه وحده اتّخاذ القرارات دون أيّ مشاركة من المستويات الأخرى.

في السياق ،كنت طرفاً مستمعاً في حوار ظريف دار بين صديقيْن على طرفيْ نقيض حول مفهوم الإدارة:
الأول يرى أن المركزية في الإدارة، هي الحل الوحيد لضمان النجاح و النّمو، وأن توزيع المهام هو مفتاح لكوارث قد تحدث في أي لحظة نتيجة لسوء التفاهم الذي قد ينشأ عند إدارة المهام أو التضارب في الآراء الذي قد يؤدي إلى المشاكل، بينما المركزية تضمن التنفيذ الدقيق للمهام بجودة واحترافية. والآخر يرى أن المركزية رجعية، وأن توزيع المهام و العمل بروح الفريق، هو الحل الأمثل للنّمو والإزدهار، كان لكل منهما تجربته الخاصة، والتي أدت إلى التمسُّك بما يراه مناسباً في إدارة الأعمال ،كان النقاش ممتعاً ، كما كان تباين وجهات النظر مثرياً أيضاً.

والسؤال الآن : أيُّهما أفضل: المركزية في الإدارة، أم توزيع المهام بين المدراء والتركيز على أهداف أخرى أكثر أهمية، أم أن المزج بين الإثنين هو الحل؟ وهل يمكن القيام بذلك فعلاً؟
إن للمركزية إيجابياتها وسلبياتها، فمن إيجابيتها أنها تقلِّل التكاليف من ناحية توّظيف مختصين يساعدون في اتخاذ القرار، لأن الهرم الإداري سوف يقتصر فقط على متخذ القرار ، والذي يمتلك الرؤية المركزية الشاملة لطريقة العمل واتخاذ القرار، كما أن المركزية تساعد على اتخاذ القرار السريع وتنفيذه ، و في تحّسين جودة العمل أيضاً،بالإضافة إلى السهولة في عمليّة الرقابة، وأدائها وصحّة القرارات التي يتمّ اتّخاذها ،وعدم الازدواجيّة في القرارات، وتوحيد السياسات والممارسات في ما بين الإدارات المتعدِّدة، وسهولة التنسيق بينها والتشغيل الأمثل للإمكانيّات المُتاحة
وتوفير النفقات وتحديد المسؤوليّة بشكل دقيق والمساعدة على الانضباط،ومزايا أخرى كثيرة لا يتسع المجال هنا لذكرها جميعاً.

وفي المقابل ،فإن من سلبيات الإدارة المركزية المعروفة ،أنها مفتاح للبيروقراطية، لأن سلطة اتخاذ القرار بيد شخص واحد ، وباقي الموظفين هم في موقع العاجز عن اتخاذ القرار، أو المساهمة فيه على الأقل، وينتج عن ذلك ضعف الولاء للمؤسسة أو الكيان، كما أن هذا يقود أيضا إلى ضعف الإنتاجية، بحيث يصبح الموظف معتمداً بشكل أساسي على التوجيه الذي يأتيه من القيادة العُليا.

ومن عيوبها ، أنها لا تُشجِّع على تحقيق الاستقلال الذاتيّ في الإدارة وتدعو إلى السلبيّة، وقد تؤدّي إلى نشوء الإتّكالية وخفض الروح المعنويّة ، وتتسبَّب في وجود مشاكل ماليّة من شأنها التقليل من فرص النجاح.
من يؤمنون بتفّويض المهام ،يدركون أنهم لا يستطيعون فعل كل شيء بأنفسهم، أو التواجد في ثلاثة أماكن في وقت واحد لاتخاذ قرار أو حل مشكلة، فطبقاً لإحدى الدراسةات الحديثة ،يحقّق المدراء الذين يفوِّضون المهام، إيرادات أعلى بنسبة 33 ٪، وتساعدهم في التركيز على أمور أكثر أهمية وفي تنمية الأعمال، وهذا يتطلب أن يتحلّى المدير بالصبر، وأن يعزِّز الثقة في قدرات الموظفين ،وأن يُبقِي على قنوات التواصل مفتوحةً بشكل فعّال.

المركزية في الإدارة كما يقول أغلب المختصين ، لا تتوافق مع البيئة التي تعتمد في الأساس على الإبداع و الإبتكار لأنها قاتلة، كما أن التفويض لأداء المهام، لا يتواءم مع من يعمل في القطاعات العسكرية كالجيش على سبيل المثال الذي يعتمد على تسلسل هرمي صارم،ومركزية في اتخاذ القرار. إن الجدل الدائر بين المركزية وتفويض المهام ،يسلِّط الضوء على الطبيعة الديناميكية للإدارة الفعّالة، ولا توجد إجابة واحدة تناسب الجميع، حيث أن كلا النهجين يقدمان مزايا وعيوباً مميزة إعتماداً على السياق.

تتفوَّق المركزية في السيناريوهات التي تتطلَّب قرارات سريعة، وعمليات موحَّدة ،ومستويات عالية من التحكُّم، ومع ذلك، فإن ذلك يخاطر بخنق الإبتكار، وتعّزيز البيروقراطية، وتثّبيط عزيمة الموظفين.
ومن ناحية أخرى، يعمل التفّويض على تمّكين الفرق، ويغذي الإبداع، ويشجع الملكية، ومع ذلك، فإنه يمكن أن يؤدي إلى عدم الإتساق، وانهيار الإتصالات، وإلى هفوات مُحتملة في الجودة إذا لم يتم تنفيذه بفعالية.
المفتاح لا يكمن في اختيار أحد الجانبين، بل في إيجاد التوازن الأمثل.

jebadr@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *