اجتماعية مقالات الكتاب

النسوية وما بعدها

يبدو أن عصر ما بعد الحداثة الذي نعيشه اليوم بكل عمليات التحوّل transformations المعقّدة والمركّبة على المستوى الاجتماعي، وهو الأمر الذي يهمّنا هنا في هذا المكان، قد جاء بالضربة القاضية للكثير من الأفكار أو المذاهب (الأيدولوجيات) التي تسميها فلسفة ما بعد الحداثة بالقصص الكبرى. لعل أحد هذه الأفكار التي تواجه خطر الاندثار والتلاشي فلسفة النسوية أو التي يمكن تسميتها الآن ما بعد النسوية، وخاصة في العالم الغربي، وتحديداً بريطانيا وأمريكا وفي دول أوروبا التي يصفونها بالمتقدّمة.

يقول الخبر الذي يشي بهذه النهاية المحتومة لهذه الفلسفة، أن 17 منظمة نسائية تهتم بحقوق المرأة في بريطانيا قد وقّعت على عريضة احتجاج ضد الأمم المتحدة بسبب اختيارها لامرأة متحوّلة لكي تمثّل أكثر من 30 مليون امرأة بريطانية في المؤسسة الخيرية للمرأة التابعة للأمم المتحدة في بريطانيا ،حيث عبّرت هذه المنظمات عن غضبها تجاه هذا الاختيار الخاطئ الذي لا يمثّل شريحة النساء الحقيقيات في بريطانيا. هذا الغضب الذي عبّرت عنه منظمات حقوق المرأة تجاه اختيار هذه المرأة (أو هذا الرجل الذي يعتقد أنه امرأة)، يعكس نفس المعركة التي خاضتها الكاتبة جي كي رولينغ عندما انتقدت هذا النوع الشاذ الذي بدأ يضايق النساء الحقيقيات في أمكنتهن الخاصة مثل دورات المياه العامة أو السجون أو الملاعب وغيرها. لم تسلم هذه الكاتبة الشهيرة من الهجوم الشديد الذي تعرّضت له من قبل مافيا قوس قزح بسبب أنها ترفض تغيير الجنس الطبيعي الذي وُلد عليه الإنسان. إذن يبدو أن معركة النسوية الحالية هي مع هؤلاء الشواذ الجدد الذين تجمعهم مجموعة حروف أربعة مختصرة وقد تصل إلى سبعة وربما تزيد لاحقاً.

كانت النسوية في العالم الغربي في مفهومها الحداثي هو الدفاع عن حقوق المرأة ومحاولة تمكينها ومساواتها بالرجل؛ أما الآن فقد أصبحت النسوية في مفهومها ما بعد الحداثي تحت تهديدات وجودية جديدة قد تعصف بها وتنهيها إلى الأبد. كان الرجل عدوّها الوحيد ومعركتها الوحيدة إذ كرّست جهودها في مقاومته وحربه، لكن الأمر قد تغير الآن فتعدّدت معاركها وتشتت جهودها إلى الدرجة التي نسيت فيها مهمتها الأساسية التي جاءت من أجلها وأصبح همها الدفاع عن نفسها وهويتها بعد أن رأت الكثير يتحدّث باسمها مثل تلك المرأة (أو المسخ) في الخبر أعلاه. توارت الآن في العالم الغربي حقوق المرأة التقليدية في التمكين والمساواة وتراجع الرجل الطبيعي كعدوّ لدود وأصبحت النسوية ذات طيف واسع من التنوّع والتعدّد لعل أشدها تطرّفاً النسوية البيضاء التي تهتم بحقوق المرأة ذات العرق الأبيض وتهمل أي امرأة تنتمي إلى عرق آخر.

لكن المفارقة هي أن النسوية في العالم العربي مازالت في مفهومها الحداثي الذي لم يصل بعد إلى التنوّع ما بعد الحداثي الذي يشهده العالم الغربي.
الآن، وقد اتضحت الطريق التي تنتهي إليها النسوية في العالم الغربي، أما من سبيل للعودة نحو طريق أكثر أمناً وجاذبية؟ ذاك سؤال للتأمل فقط، ليس إلا!

khaledalawadh @

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *