اجتماعية مقالات الكتاب

الذكاء الإصطناعي واستنساخ الأصوات

أخذت بعض استخدامات الذكاء الإصطناعي في الآونة الأخيرة ، أبعاداً سلبية بعد أن أضحت مخرجاته قادرة على التزّييف والتضّليل والمحاكاة والإنتحال بطريقة تبدو وكأنها حقيقية، ما حدا بالأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش”، إلى التحذير خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي، من مخاطر الذكاء الإصطناعي على الأمن العالمى، مؤيداً إنشاء هيئة تابعة للأمم المتحدة لإدارة تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي أوائل شهر مايو الماضي، أعلن الأب الروحي للذكاء الاصطناعي”جيفري هنتون”، انقلابه على اختراعه، معرباً عن ندمه جزئياً على العمل في مجال الذكاء الإصطناعى، محذِّراً من مخاطره ومشاكله.

من أمثلة هذه المخاطر والمشاكل، كنت أستمع إلى حلقات التطبيق الشهير Blinkist، عندما بدأت ألاحظ أنهم اعتمدوا مؤخراً بشكل كبير على استنساخ الأصوات بالذكاء الإصطناعي ، حيث تولّي برمجيات، إنشاء نموذج لصوت أيٍ من أصوات الشخصيات السياسية أو التاريخية أو الاجتماعية والفنية ميتة أو على قيد الحياة ،حتّى بلغات أجنبية، وإنشاء نسخة من أي شخص بمجرد تحميل ملف صوتي، أو مشاركة رسالة صوتية، أو مجرد تسجيل صوت يتم تقليده بواسطة أجهزة كمبيوتر بشكل لا تشوبه شائبة .

في هذا السياق، تم مؤخراً تداول مقطع فيديو عبر الواتساب بصوت المُذيع التلفزيوني والإعلامي البريطاني “السير ديفيد أتينبورو “، عن الحرب التي يدور رحاها في غزة الآن ، وقد تفاعل الناس بشكل إيجابي مع الفيديو لأنه كان بمثابة دعم لغزة ضدّ العدوان الإسرائيلي، ولأن الكثيرين إعتقدوا أن هذا هو صوته، بيدَ أنه لم يكن كذلك، فضلاً عن أن المتحدث الرسمي باسمه، نفى أن يكون قد أدلى بأي تصريحات ضدّ غزة أو إسرائيل، الأمر الذي يدل على أنه لا يوجد حدّ لمقدار الضرر الذي قد يحدثه الصوت الذي ينتجه الذكاء الإصطناعي ، مثلما كان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ضحية لاستنساخ صوته بالذكاء الإصطناعي في تصريحات لم يدلِ بها في عام 2018م.

كما يمكن أيضاً استخدام تقنية الذكاء الإصطناعي، كسلاح ضد الأفراد لتقليد شخصيات أو سياسيين أو ممثلين مشهورين من أجل نشر معلومات كاذبة، وتقديم معلومات مهمة مثل الرقم السري أو بطاقات الإئتمان أو الحسابات البنكية، وبالتالي التأثير على الرأي العام، مثلما كان الحال مع السير ديفيد.

قد يحاكي شخص ما، صوت والد الرجل أو أخيه ويطلب تحويل الأموال ، فماذا لو ذهب إلى أبعد من ذلك، وتمكَّن خاطف مزيَّف من محاكاة صوت إبنة رجل يطالبه بفدية، بينما الإبنة تصرخ طلباً للمساعدة في خلفية المكالمة؟

كل شيء أصبح ممكناً بفضل التطوّر السريع للتكنولوجيا، وعلى الرغم من وجود طرق للتعرف على أصوات الذكاء الإصطناعي عن طريق برامج تم إنشاؤها، إلا أنها غير معروفة لعامة الناس ، فيما يقتصر استخدامها على المتخصصين أو المهتمين بهذا المجال ، بحيث لن يشك الفرد العادي عند سماع صوت الذكاء الإصطناعي في أنه حقيقة.

قد لا يعلم أحد ماذا سيحدث إذا تم استخدام هذه التكنولوجيا من قبل محتالين بشكل احترافي.
ممّا لاشك فيه أنه ستكون هناك فوضى، ويبدو أننا خسرنا السباق ضدّ تقدم الذكاء الإصطناعي، ولم يعد مواكبة الإبتكارات الناشئة أمراً سهلاً ، ويبدو كما لو أن شخصاً ما، قام بصناعة سلاح فتَّاك وجعله في متناول الجميع، ليكتشف أنه لا توجد قاعدة تحكم استخدامه.

لقد كتبتُ مؤخرًا الكثير من المقالات حول الذكاء الإصطناعي، لكن لا أريد أن يظن أحد أنني مناهض له، صحيح أن للذكاء الإصطناعي العديد من التطبيقات المهمة، ولكنها تشكِّل في الوقت عينه، الخطر الأكبر على قدرتنا على التعايش معها.

jebadr@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *