اجتماعية مقالات الكتاب

مفارقات ساخرة

لاشك أننا نحن نعيش الآن عصر المفارقات الساخرة. كلمة مفارقة ساخرة أو irony التي نقصدها في هذا المقال ، تعني وجود تناقض أو عدم توافق بين موقفين. ولعل الأمثلة التالية توضّح هذا المفهوم بشكل يتجاوز التعريف المجرد له.

على الصعيد السياسي، يمكن ملاحظة الحرب التي تدور رحاها في الشرق الأوسط ويذهب فيها إخواننا الفلسطينيون ضحية لاعتداءات غاشمة من العدو الصهيوني الذي وجد الطريق ممهّدا له من الغرب المتمثّل بأمريكا وبريطانيا إلى الدرجة التي تقول فيها نائبة الرئيس الأمريكي أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وقصف غزة بشتى أنواع الأسلحة الفتّاكة، لكن عليها في الوقت نفسه مراعاة المدنيين فالصور التي تأتي من غزة مروّعة. وتزداد المفارقة مرارة عندما يأمر جيش، أصحاب الأرض في غزة، بترك المنازل والممتلكات والتحرّك من الشمال إلى الجنوب أو من الشرق إلى الغرب تمهيداً لقصفها واحتلالها والاستيلاء عليها لاحقاً.

ويمكن النظر إلى مفارقة ساخرة أخرى عندما ينظر الغرب كلّه في أوروبا إلى الحرب في أوكرانيا على أن روسيا هي المحتلة الظالمة التي يجب إيقافها وبذل السبل في مواجهتها ، لكن هذه الروح العادلة التي تروّجها لنا ، ذهبت أدراج الرياح فهي تقف في الحرب على غزة مع المحتل الظالم في الوقت نفسه. ولا ننسى المفارقة المضحكة الأخرى عندما يقف رئيس أكرانيا نفسه مع القوة الغاشمة التي تقتل المدنيين العزّل في غزة.

وعلى الصعيد الإعلامي، يكفي أن تطالع جريدة بريطانية أو أمريكية ، لكي تشعر بالمفارقات التي تثير الغثيان وأنت تقرأ القصص الملفّقة التي تجترّ ما حدث في يوم واحد فقط هو السابع من أكتوبر الماضي لكنها في الوقت نفسه تتغاضى عن الدمار الهائل في غزة والضحايا من الأطفال والنساء والمدنيين العزّل بسبب هذه الحرب التي يشنها اللصوص الصهاينة أكثر من شهرين. أما التلفزيون ومنصّات الانترنت المتعدّدة فيكفي أن تشاهد “بيرز مورغان، لتعرف حجم المفارقة الهائل وهو يردّد أغنيته المملّة التي تتناول فقط يوم السابع من أكتوبر وتغفل كل شيء غير أخلاقي جاء بعد ذلك التاريخ.

وعلى الصعيد التربوي، على سبيل المثال، يتضح مفهوم المفارقة الساخرة عندما نلاحظ أن هناك الكثير من الأنظمة التعليمية في العالم تستخدم نظريات بنائية في تقديم مناهجها للطلاّب لكنها تطبّق في الوقت نفسه نظريات سلوكية، الأمر الذي يخلق في نهاية الأمر خليطاً مدهشاً من النظريات المتناقضة التي يقف المعلم أمامها حائراً فالوسائل لديه بنائية لكن الغايات سلوكية. من المعلوم لأي تربوي بسيط أن النظرية البنائية هي نقيض النظرية السلوكية. هذه المفارقة المدهشة تمتدّ إلى الطالب الذي يكون أمام مفترق طرق فلا هو وجد البناء الذي يطمح إليه ولا هو حقّق الغايات النبيلة التي كانت جميلة على الورق.

khaledalawadh@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *