اجتماعية مقالات الكتاب

من قام بالغضب بات بالخسارة

للحوار بين البشر قيمة رائعة أكّدها لنا القرآن الكريم في مواضع كثيرة ،حيث قال عزّ من قائل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي حاورهم بالحسنى. هذا هو دستورنا العظيم ، به كل تفاصيل التعاملات بين البشر، وقد خصّ المسلمين منهم ،بآداب وسمات تميّزهم عن غيرهم ، وكان الحوار ومازال من سمات الرقي الأدبي بين المتحاورين، فمن نحن إذا تخيلنا حوار العزيز الجبّار كما يليق بعظمته وجلاله مع إبليس اللعين ،الذي طلب المهلة إلى يوم الدين ، وتحدّى الله جلّ جلاله
بإغواءعباده كما وصف لنا القرآن ذلك، ويظل إبليس مذموماً مدحوراً هو ومن اتبعه .

كما ضرب لنا القرآن العظيم العديد من الأمثلة في الحوارات يحق لنا أن نتعمّق في أبعادها لنهذّب أنفسنا وندرّبها على التعامل الحسن مع مشكلات الحياة ومع عائلاتنا وأصدقائنا وكل الناس مهّما اختلفنا معهم. ألم نقرأ في سورة الكهف :(إذ قال لصاحبه وهو يحاوره) ولاحظوا أن القول هنا قاسٍ: فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أويصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلباً) -الكهف: 40- . وكان العقاب فأصبحت الجنتان هباءً منثورا فعاد إلى نفسه بعد غرور وقال: (ياليتني لم أشرك بربي أحدا).

هذا هو الرجوع عن الخطأ والقرآن يضرب لنا الأمثلة ونحن نتدبّر هذيْن الرجليْن أحدهما أخذه التكبُّر والغرور، والآخر نصحه بقسوة .حوارهما أدى إلى اعتراف بالخطأ ولم يؤد الحوار بينهما لعداوة مطلقة وحرب ضروس . ولنا في رسول الله وتعامله الراقي واختلافه مع الآخرين أسوة حسنة ، ولا عجب فقد بعث ليتمّم مكارم الأخلاق. كم من الأشخاص بيننا ، أدى الإختلاف بينهم إلى خلافات تدوم شهوراً ،أو عداوات لا تنتهي؟ ذلك لأن أسلوب الحوار عندهم منهجه وعدّته وعتاده الغضب الذي ترتفع حدّته مع قناعاتهم وعدم تقبّلهم لأي اختلاف . يتلبّسهم الغضب فتغيب عنهم الحكمة والتصرف الحسن ويتجاهلون الآداب فلا فرق بين كبير أو صغير، ضعيف أو قوي ،مريض أو صحيح . هذا هو الغضب والعياذ بالله منه.

كان لوالدي مقولة يردّدها كثيراً نقلاً ممّا يحفظ ،يقول -رحمه الله-:( إذا غضب المرء يستل منه العقل كما تستل الشعرة من العجين حتى إذا فعل ما فعل وقال ما قال وعاد إليه عقله قيل له لقد قلت وفعلت أقسم بالله عظيم الايمان أنه لم يقل ولم يفعل) فالغضب يطفئ سراج العقل ،وقيل عنه أن أوله جنون وآخره ندم. فالغاضب كثيراً ما يخرج عن الأدب ،ويقول من الكلمات النابية وغير اللائقة ، ما يترك أثراً سلبياً قد لا تداويه الأيام ولا الإعتذارات.

عندما سأل أحد الصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام قائلاً :أوصني يارسول الله، قال :لا تغضب . ثم قال: زدني يارسول الله، قال: لا تغضب .كرّر السؤال، وكرّر الرسول صلى الله عليه وسلم الإجابة، قيل ثماني مرات أو أكثر، وهو لا ينطق عن الهوى، فالغضب أجاركم الله كارثة أخلاقية إذا أصابت شخصاً ، لكنه يستطيع الخلاص منها والتحلّي بالهدوء إذا أحسن الفهم وأدرك المخاطر، فاحذروا الغضب على صحتكم وعلاقاتكم. ودمتم.

@almethag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *