يقضي الكثيرون ساعات طويلة أمام مهام بسيطة يمكن إنجازها في دقائق، لكن فإن شيئاً واحداً يغيب عن المشهد ،وهو التركيز الذي يعين على أداء المهام بكفاءة.
كنت قد كتبت سابقاً “في أبريل الماضي”، مقالاً بعنوان :”فقدان التركيز..هل أصبح خارج السيطرة ؟”، أشرت فيه إلى ما يعانيه الجيل الجديد من فقدان التركيز المستمر.
وفي الآونة الأخيرة استمتعت بحلقة بودكاست عنوانها :”إستعادة التركيز” للأستاذ الجامعي وخريج جامعة هارفارد ستيف غاردنر، تحدث فيها مطولاً عن أهمية التغلب على فقدان التركيز ومعالجة مسبّباته.
ووفقاً لعلم النفس السريري، أن عدم التركيز يمكن أن يكون نتيجة ثانوية في عصرنا الرقمي حيث يقضي الجيل أربع ساعات يوميًا على هواتفهم ووسائل التواصل الإجتماعي.
تحدث ستيف في المثال الأول عن الشخص المثالي الذي انفصل عن كل ما قد يشغله وركّز ذهنه وحواسه وبدنه في إنجاز مهمة واحدة، وقال إن المهمة التي قد تستغرق يوماً أو يومين لإنجازها ،من الممكن أن تنتهي في ساعة أو ساعتين ،غير أن مثل هذا الشخص نادر في هذه الأيام.
وفي المثال الثاني، يقول إن الفرد لا يستطيع التركيز على مهمة واحدة لأكثر من عشر دقائق قبل أن يتشتّت ذهنه، بعض الأحيان بشكل متعمّد، لمهمة أخرى لا علاقة لها بالمهمة الأولى.
شتّان ما بين المثاليْن: ففي المثال الأول : يستطيع الشخص أن ينجز مهامه بيسر وإتقان وفي وقت قياسي، بينما الشخص في المثال الثاني: يشجع نفسه بطريقة غير مباشرة على تشّتيت تفكيره والإنزلاق في دوامة التسويف وتأجيل المهام.
وهناك مثال رائع أشار إليه ستيف هو :”ركّز” أو “انتبه”، وهي أفعال أمر يسمعها الكثيرون ولكن لا يدركون أهميتها ولا يعملون بمقتضاها.
ويكابر البعض عندما يقول إنه يستطيع إنجاز عدة مهام في وقت واحد، وهم كُثْر ويعيشون بيننا مؤمنين بذلك الوهم. يقول سبحانه وتعالى في محكم التنزيل :”ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.” بالإضافة إلى أن العديد من الدراسات أثبتت بما لا يدع مجال للشك ،أن المخ لا يستطيع أن يركز في شيئيْن في وقت واحد: قد تجد أحدهم يستمع إلى أغنية عن طريق السماعة، في الوقت عينه الذي يشاهد فيه مباراة كرة قدم في التلفاز في الوقت الذي يكتب فيها تقريرا.
مثل هؤلاء الأشخاص يشعرون أن باستطاعتهم إنجاز عدة مهام في وقت واحد. بينما الذي يحدث فعلياً هو أنه تركيزهم و انتباههم ينتقل من مهمة إلى أخرى، وهذا من وجهة نظري أخطر من فقدان التركيز نفسه.
هناك طرق عدة للتغلب على فقدان التركيز، واستعادته، وتحسين قدرة الشخص على علاج تشتّت وضعف التركيز و إنجاز المهام ،قد أشار ستيف منها إلى أن يدرّب المرء نفسه على الجلوس لمدة 15 دقيقة ،والتركيز بشكل كامل على إنجاز مهمة واحدة فقط، وبعدها يقوم بأخذ فترة قصيرة من الراحة ، مدتها دقيقة أو 3 دقائق قبل أن يكرّر هذا التكتيك مرة أخرى.
ومن طرق التغلب على فقدان التركيز واستعادته ،أن يسمح الشخص لعقله بالشرود،
ذلك أن من شأن السماح للذهن في بعض الأحيان بالشرود ،أن يعزّز النشاط والإنتاجية.
وعلى الشخص أخذ قسط من الراحة إذ يحتاج الدماغ إلى فترات استراحة من حين لآخر لكي يحافظ على نشاطه.
jebadr@