اجتماعية مقالات الكتاب

خسران من راقب الناس

يبدو لي أن هذه الآفة لن تنتهي ولن يكتب لها الإندثار، بل أنها أصبحت تأخذ أشكالاً مختلفة، وذلك كله نتيجة للآثار السلبية المترتبة على وجود وسائل التواصل الإجتماعي التي أعطت لمرضى المراقبة سبل مختلفة جديدة ومطورة، فقد تعدى الأمر رقابة ما يتصدر مشاركاتك عليها إلى ترقب موقعك على الخريطة وهذا ما لم يخطر في بالي في يوم من الأيام وأعتقد أن الكثيرين مثلي، ففي الزمن القديم كانت المراقبة تحمل جانب طريف يمكن السيطرة عليه وكان المراقب يحتاج إلى قدرات جسدية وذهنية خارقة، فهو يحتاج إلى قدرة يستطيع بها أن يفنّد الحوارات التي تدور حوله ويستنتج منها ما يحتاجه من معلومات، أو أن يستنفذ ساعات من وقته في الرقابة المباشرة، من خلال نافذة المنزل أو الدائرة التي يطلق عليها سابقاً بالعين السحرية من باب المنزل.. وقد وصلت الوسائل في ذاك الزمن إلى كاميرا الرد على الطارق من باب الشارع الخارجي، بالتالي لم تكن المعلومات تتسم بالوضوح تماماً وكان من الممكن الرد عليه وإحراجه أمام الآخرين من باب التربية له وردعه عن تصرفه.

لو كانت الرقابة دافعها الحفاظ على المنزل وحمايته ، فلا خلاف عليها حتى لو وصل الأمر لوضع كاميرات عند مداخل المنزل ومخارجه، إنما الرقابة المذمومة هي تلك التي نصوبها على الآخرين فنتتبع خطواتهم أينما ذهبوا وأينما حلو بل ونتعمّد إشعارهم بأننا نعلم بكل تحركاتهم، ونفخر في تداول تلك المعرفة وكأننا سنحصل بذلك على وسام استحقاق من نوع ما.

سؤال يدور في مخيلّتي أحاول أن أبحث فيه عن سبب يدفع هؤلاء لمثل هذا التصرف من جهة، ومن جهة أخرى هناك زحام في الوقت نابع من وتيرة الحياة التي نعيشها يجعلنا لا نستطيع أن ” نحك راسنا” من كثرة الإنشغال.. فأين يجد هؤلاء الوقت الذي يستطيعون من خلاله مراقبتنا عن كثب..؟

لديّ طلب أو إن شئت رجاء : يا من وجدت من وقتك الثمين متّسعاً يسمح لك أن تراقبنا أينما ذهبنا، من فضلك راقبنا في صمت، لا تظهر لنا أنك على اطلاع بجدول حياتنا اليومي فهو أخف الضرر، لا نرغب في أن نكنّ لك العداء، أو نكره وجودك في مكان واحد معنا، حتى لا يصبح الأمر رقابة وخراب بيوت، وحبذا لو اكتفيت بالرقابة دون نشر الأقاويل التي تضرك قبل أن تضرنا، فلو كنت تعلم مقدار الخسارة التي تجنيها على نفسك من خلال مراقبتك بعدد الأفراد الذين قرروا الابتعاد بعيداً عنك وأوجدوا وسائل وقاية ضدك لأدركت أنك أضعت وقتك في اللاشيء، وأن ذلك الوقت المهدر كان من الممكن أن يصنع منك شخصاً مختلفاً:كاتباً على سبيل المثال مادمت تملك موهبة السرد القصصي ولديك القدرة على الخيال، قد يجعلك ذلك في يوم من الأيام منافساً قوي لي في الكتابة ويجعلني أهابك بشكل مختلف وقد أسعى أن أتفوق عليك لو غيّرت من طبعك وأصبحت شخصاً طبيعياً.

eman_bajunaid@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *