يأتي شهر مارس كل عام حاملاً أيامه التي تهتم بالمرأة، أحب منها يوم الأم الذي يوافق منه يوم 21، والذي سيكون قبل دخول شهر رمضان المبارك بأيام، والارتباط بين هذين الأمرين هو سفرة الافطار التي تنصع بعاطفة الام وليس بالمكونات والمقادير.
للأمهات عادات متشابهة في الطبخ خلال شهر رمضان مهما اختلفت المنطقة التي تفوح منها رائحته خارج المطبخ، حتى لو كان بثلاثة مقادير فقط، يكون شهياً بطريقة تجعلني اتساءل: ما السر وراء هذه النكهة الحنونة فيما يطبخن؟، هل هو الراديو الذي يقمن بتشغيله حين يكن في المطبخ، أم إنها تمتمة سين الاستغفار والدعاء طيلة مكوثهن فيه؟ ومع ذلك أعلم في قرارة نفسي أنه الحب الذي ينتقل من قلوبهن، إلى ايديهن، إلى المائدة في ساعة الافطار. ذلك التشابه يبدأ من الظهيرة حتى موعده؛ صوت سكب المكونات الممزوج بترتيل القران الكريم وبرامج الإفتاء، يتخلله الترحيب بمن استيقظ تلك الساعة، واسم يتردد بصوت عصبي محبب لفعل أمر يخص العصير.
أذكر خلال قراءتي لرواية “كالماء للشكولاتة” للكاتبة “لاورا اسكبيل”، تشكلت في رأسي صور خلط المقادير وتحريك الطعام، شعرت بتلك العاطفة من خلال الورق فيما كانت الرواية في الأصل تتحدث عن الحب لكنها تغلبت عليه.
تتصف سفرة رمضان بشعور الطمأنينة تحف المكان الذي توضع فيه، حين تجلس العائلة حولها في انتظار الأذان وصوت الأم الممزوج “بآمين” بعد كل دعاء تسمعه في التلفاز الذي يبث صورة الحرم المكي، ينادي لجلب الاطباق والقهوة، والاستماع للنقاش الذي يعلو ثم ينخفض حتى يصبح عالياً ما يجعلها تكرر القول اليومي أنها آخر سفره تقوم بطبخها لكنها في اليوم التالي تعيد نفس ما حدث في سابقة من صنع سفرة أخرى ليوم رمضاني آخر، في كل هذا هناك شخص لا يمكنه مشاركة العائلة هذه السفرة لبعد المسافة التي تفصله عنها،وحدها الأم تتذكره في كل يوم وتتمنى لو أنه يشاركهم نكهة الطعام الرمضاني، وإن حدث وقام بزيارتها تركت كل رغبات العائلة وطبخت ما يحبه وحده بنشاط يضاهي لاعبي كرة القدم.
يتركن الأمهات أثرهن علينا يبقى ملازماً لنا طيلة الحياة سواء في المطبخ أو الحياة، نكرره حتى دون قصد أو وعي في أيام رمضان التي ارتبطت بذلك الاثر، -أذكر في طفولتي حين تحضير سفرة الإفطار نردد أنا وأخوتي أغنية رمضانية في كل مره نحمل طبق-، بقيت هذه العادة معي حتى اليوم، فيما اخبرتني صديقتي أنها تجبر بناتها على تحنية ايديهن رغم كراهتيها لرائحته لكنها تفعل لأنها اعادت فعل هذا الامر مع والدتها.
هذا ما تفعله الأمهات في شهر رمضان، يبقين كما عرفناهن لأول مره، لعجينتهن سر الحب، ولحبهن مذاق السعادة “واللمة الحلوة” وكل عام ورمضان يأتي وهن بخير.
i1_nuha@