لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بقدر.. انتقلت إلى رحمة الله الأربعاء الماضي خالتي نوال، نسأل الله لها الغفران والرحمة وأن يدخلها سبحانه الفردوس الأعلى مع الأنبياء والشهداء والصديقين، وانتقلت إلى رحمة الله قبلها بما يقارب العامين خالتي الأكبر منها، وقبلهما فقدنا عمي، وقبله عمي الأكبر، وقبله ستي (جدتي لأمي)، رحمة الله عليهم جميعاً.. وفقدنا غيرهم إلا أنني هنا بالتحديد أخص بالذكر من ترك رحيلهم علامة في قلبي لن تنتهي إلا بلقائي بهم يوم تلتقي الجموع.
في كل مرة نفقد عزيزاً تنتابنا مشاعر الفقد والشعور بانقطاع الوصل، ذلك الوصل المتقطع الذي كنّا نشاركهم أو يشاركونا لحظاته من جميل حديثهم ونصائحهم وحبهم الذي غمرنا وجعلنا لا ننساهم حتى بعد مرور أعوام عديدة من فقدنا لهم، بل ظلت ذكرياتنا معهم.. تلك الذكريات التي عندما تمر بنا نبتسم ابتسامة سرور بما تحتويه تلك الذكرى، حتى لو كانت في وقت حدوثها لم تكن سعيدة إنما كل الأحداث تخف وطئتها عندما تتحول ذكرى، وتصبح أملاً نتعلق بمن فيها عندما نفقد الأمان بين الأحياء.
لا أعلم هل نحن فقدناهم أم هم فقدونا، أم أننا فقدنا جزءاً من أرواحنا عندما رحلوا..؟ ربما هي خليط من الفقد، الفقد.. ذلك الشعور المزعج الذي يصيب القلب بوخزة لا تنتهي بمقدار ذاك العزيز الذي رحل .. تتحول لألم ورجاء أن تعود الأيام إلى الوراء لا ليعودوا للحياة. بل لنخبرهم كم هم غالين في قلوبنا، إنما هي سنة الحياة، وهو طريق سنسلكه جميعنا كبيرنا وصغيرنا، فالموت لا يفرق بين الأعمار هو عبد المأمور لخالقه عندما تنتهي آخر الثواني لأحدنا في هذه الحياة.
لذا ليس أمامنا سوى الرضا والقبول مع بعض الذكاء العاطفي بأن نجعل من كل وقت نقضيه مع من نحبهم ويحبوننا بل مع العالم بأسره قصة. قصة تروى بعد رحيلهم أو رحيلنا، تبقى وتخلّد ما دمنا لن نخلّد في هذه الحياة وهذا ما فعله أحبابي كلمات الثناء والمدح التي رافقت حضورهم وغيابهم جعلتني أشعر بنشوة السعادة لكل كلمة ذكرت، وتصيبني بغيرة محمودة أن أصنع لنفسي مثل تلك الكلمات تذكر على ألسنة من حولي وأذكر بها عندما يحين رحيلي.
هل الموت مخيف؟ لا ليس الموت هو مصدر الخوف، المخيف حقاً هو.. أن تمضي حياتك دون أن تدرك أنك ستطوى من الوجود بجسدك وبذكرك لأنك لم تترك مجال لأحد أن يقول رحمة الله عليه كان يفعل كذا وكذا ويترحم الحضور معه.. بل الأدهى والأمر أن تجد من ينتظر يوم الحساب ليقتص منك مالم يستطيع اقتصاصه في الدنيا تلك هي التجارة الخاسرة وهنا أقول لك أنت لم تفقد بل فُقدت.
eman_bajunaid@