اجتماعية مقالات الكتاب

لا تقتلوا إبداع أطفالكم

هناك في قارة أوروبا دول ارتفعت فيها نسبة كبار السن مقارنة بالتعداد الكلي لعدد السكان ، وقد شاهدنا جميعاً كيف قامت تلك الدول بتسهيل دخول الأطفال اللاجئين إلى أراضيها وكيف قدمت لهم الحماية والرعاية ، ودمجتهم بالمجتمعات المحلية ، وكيف قامت بتعليمهم وتدريبهم والصرف عليهم ، ليصبحوا في المستقبل عماد ثروتها البشرية ، ومصدر قوتها الاقتصادية ، ولكم أن تتخيلوا كم ستربح تلك الدول عندما يخرج من بين هؤلاء الأطفال من هو نابغ وموهوب ومبدع ومفكر وعبقري، ويحمل في أخلاقه صفات الفارس الشجاع وولاء المواطن الصالح.

تظهر مواهب الطفل في السنين الخمسة الأولى من عمره ، وفيها يدرك الأهل شغف اطفالهم وملامح ميولهم. وبما أن الطفل الموهوب هو الأمل والمأمول ويعتبر مكسبا وطنيا واستحقاقا انسانيا للمجتمعات كافة ، فقد يكون لزاماً علينا أن نتعرف على موهبته مبكراً وأن ننميها على الشكل الأمثل ، ولعل أفضل الطرق التي تساعدنا في ابراز موهبته هي في وضعه ضمن بيئة مليئة بالمثيرات الحسية والبصرية وجعله يتحرك بحرية وينطلق بعفوية حيث الطبيعة والمياه والحيوانات وحيث الألعاب اليدوية والمكعبات الهندسية وحيث العزف والموسيقا والرسم والتلوين وحيث الألعاب المبعثرة هنا وهناك والتي لا مانع أبداً من قيادتها والعبث في محتواها لاستكشاف مكنوناتها ، مع دوام الانتباه لاتجاهاته والتركيز على نشاطاته والدأب في مشاركته ألعابه وترقب ردود أفعاله واستمرار التحاور معه وتفهم متطلباته ، فهو في النهاية طفل غير عادي ولديه قدرات ذهنية عالية وسرعة بديهة ونشاط مفرط ، وهو بالتأكيد يحتاج إلى برامج تعليمية خاصة به ومساندة كبيرة من الأسرة وصداقات من أقرانه الموهوبين ترتقي إلى مستوى عقله وتفكيره .

نريد أطفالنا أن يكبروا ويرفعون اسم بلادهم في الأوساط العالمية وفي كل المحافل الدولية ، نأمل أن نرى أحدهم شاعراً كبيراً أو فناناً مبدعاً أو نحاتاً عظيماً أو بطلاً مشهوراً أو عالماً فذاً أو أديباَ متميزاً ، نريد أن نخلق للأطفال بيئة صحية تساعدهم على الابداع والابتكار ، فلا نملُّ مدحهم ولا نتأفف من كثرة سؤالهم ، ولا نضربهم فنستبيح كرامتهم ولا نصرخ عليهم فيقلّ استيعابهم . نريد أن نرشد من مصروفنا اليومي لنوفر لهم قوت غذائهم الثقافي ، نريد أن نجلب لهم المراسم واللوحات ، نشتري لهم القصص والروايات ، نحضر لهم أدوات الفك والتركيب ، نؤمن لهم الهدوء والاستقرار. لا نتمنى لهم أسرة مشغولة عنهم بسلطة الموضة ومؤثرات العصرنة، بل نطمح لهم بأسرة ممتدة حيث الفصاحة والابداع ، وحيث القيم والمبادئ وحيث تعزيز الهوية الوطنية وإعلاء شأن الوطن.

وكما يقال في الأمثال الشعبية: ابن المجالس يتفوق على ابن المدارس.

bahirahalabi@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *