في تاريخ الأمم الكثير من الوقفات التاريخية، والتي تُعد من أهم واجبات الباحث والمؤرخ لتناولها، وفق أدبيات السرد التاريخي، دون مبالغة أو تعدٍ على محكَّات النَّص، أو تحيُّزاً لفريق ضد آخر، الأمر الذي يتطلب منهجية تاريخية، وتجربة ثرية في كل ما يتعلق بالحقائق والأحداث الزمانية والمكانية، لعرضها من خلال مجموعة من الوثائق والمخطوطات المتداولة، بين أرفف المكتبات المتخصصة، لتكون الأمانة العلمية والمصداقية هي الأساس، الذي يبدأ به الباحث مشروعه، واضعا في الاعتبار أهمية واختيار موضوع الدراسة، مرورا باستشارة المرشد والمشرف الأكاديمي، وتوفر مصادر ومراجع دراسته، ومدى ملاءمتها، لمعطيات البحث العلمي المتعارف علية أكاديميا، والنسق الحضاري لتحقيق نتائج إيجابية.
تابعت خلال الأسابيع الماضية، عددا من الرسائل الجامعية، لعدد من طلاب وطالبات الدراسات العليا، بأقسام التاريخ والحضارة، في عدد من الجامعات السعودية، والتي اتضح مما تيسَّر لي من الاطلاع على بعضها، كونها ارتقت لحسسن اختيار مواضيعها، وتوفرت لها أعلى معايير تجويد البحوث، من حيث المنهجية والتوثيق التاريخي، واختيار المصادر والمراجع، التي تعزز دور الباحث، بوقوفه على ماهية دراسته، وإخراجها بما يليق بها من مكانة تاريخية علمية، تضاف للمكتبة وتأخذ موقعها في الصدارة، وصفا وتحليلا وبما لها من علاقة بالحضارة الإنسانية، وتمازجها مع بقية حضارات العالم، وتعطي انطباعا عن مدى تلاقي الفكر الإنساني، ومما أثار دهشتي وإعجابي معاً ! حرص المشرفين على هذه الدراسات، وهي حقيقة ظهرت بوضوح، من قبل كل من هؤلاء المشرفين الأكاديميين، أثناء وبعد مناقشة الرسائل، من قبل لجان عليا متخصصة، لا تقل درجة المناقش الخارجي والداخلي، عن الأستاذية في مجال تخصصه.
إضافة لما يمتلكه من خبرات تراكمية، ومناقشة عشرات الرسائل، مكنته أن يدلي بالحكم العلمي الذي تستحقه تلك الدراسة، يكون دور المشرف هو إقرار ما تتخذه لجنة المناقشة، لفترة زمنية تتجاوز الثلاث ساعات، يقف الطالب أو الطالبة مدافعا، بحسب تمكنه من مشروع رسالته، والتي غالبا يمضي الباحث أو الباحثة فيها، سنوات عمره من البحث والتقصِّي والتمحيص، ومن ورائه المشرف أو المشرفة، في أدق مواصفات البحث العلمي، لتكون الفرحة توازي فرحة طلاب وطالبات الدراسات العليا، إن لم تتفوق عليها، وهذه من طبيعة الدراسات الإنسانية، بمختلف التخصصات، والأمر يشمل الرسائل العلمية، وكوننا نتفاعل مع هذه المعطيات، ليبقى الدور الأبرز لوزارة التعليم، التي أتاحت للجامعات هذه البيئة العلمية لمزيد من الإنتاج والعطاء المستمر، في مجال البحث لمثل هذه الدراسات التاريخية.
abumutazzz@gmail.com