في بداية حياتي الوظيفية خضعت لمقابلة شخصية أمام لجنة مكونة من ثلاثة أساتذة .. وكانت الأسئلة تنهال علي من كل اتجاه .. وفي ختام المقابلة .. سألني أحدهم وقال: من تتوقع أن يفوز في مباراة اليوم ؟! . وأسقط فى يدي .. حيث انني لا أهوى كرة القدم .. ولا أتابع المباريات والبطولات .. فقلت له لا أعلم .. وهنا انتفض جميع أفراد اللجنة .. وسألونى إن كنت أعرف لعبة الشطرنج أو البلوت .. فقلت لهم للأسف لا أتقن ولا أهوى أي من هذه الألعاب ..
وقيل لي لاحقا .. إن نقاشا حادا دار فى اللجنة بين مؤيد ورافض لقبولي في الوظيفة .. وأخيرا رجح كفة قبولي .. مدير عام التدريب آنذاك في الخطوط السعودية .. السيد حمزة الدباغ .. رحمة الله عليه ..
ومن اليوم الأول في العمل .. أدركت أن هدف المدير أن يكون في إدارته مجموعة من الموظفين الأبطال .. ليس بالضرورة أبطال في الألعاب والمباريات .. ولكن في مجمل ممارساتهم وأدائهم الوظيفي ..
تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ .. نشرة هارفارد للأعمال ( HBR ) .. وغيرها من الدراسات المتخصصة في ادارة الموارد البشرية .. والتي تشير إلى أن بعض الشركات في العالم تناست أن ابعاد ومكونات الانسان هي .. الجسد والروح والعقل .. ويتفرع منها المشاعر والانفعالات والأحاسيس وطرق التفكير والنشاط البدني والصحة النفسية في تناغم نتاجه أداء وظيفي متكامل للموظف.
مثل تلك الشركات تناست كل ذلك ، وركزت على القوى العقلية للموظف الإنسان .. ونسجت إستراتيجياتها وبرامجها الخاصة بالموارد البشرية .. كي تتعامل مع الجانب العقلي فقط .. وحتى برامج مزايا ومكآفات الوظيفة تعطى لمن يتقنون المهارات والقدرات العالية وقياسات الأداء .. وكلها أمور تختص بالجوانب العقلية فقط ..
رعاية الموظف والعناية بصحته وجسده وعقله .. تعنى مجموعة من المبادرات والخدمات والبرامج الصحية تقدمها المنظمات لموظفيها .. تبدأ من مفاهيم الوقاية من الأمراض والحفاظ على سلامة الموظف وصحته هو وعائلته .. وانتهاءً ببيئة عمل توفر الأمان والسلامة ورفاهية الحياة والطمأنينة .. بان هناك صرح يقف خلفه ويشد من أزره ودائما إلى جانبه عند الحاجة .. إضافة إلي رواتب ومكافآت مجزية تضمن له حياة كريمة .. وتغنيه عن سؤل الحاجة.
لقد كشفت جائحة كورونا في العالم جوانب اخرى تتطلب الرعاية والعناية بالموظفين .. مثل القلق والتوتر والضغوط وفقدان الأحبة بموتهم أو عجزهم الناتج عن عدوى المرض وتضارب المعلومات وعدم اليقين وعدم معرفة ما يخبؤه المستقبل للموظف في كثير من الدول من ظروف ربما تفقده وظيفته التي هي مصدر رزقه ، والتي يجب على الشركات التعامل معها من أجل صحة نفسية وعقلية سليمة لموظفيهم وعائلاتهم.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك منشآت مثل امازون .. و وول مارت .. ومايكروسوفت .. وغيرها كثير .. فاجأت موظفيها بمكافآت مالية تراوحت مابين 300 و 2000 دولار في نهاية العام الماضي تقديرا منها لمن عملوا خلال الجائحة .. وهناك منشآت وشركات أخري تقدم مجانا متطلبات الحماية الشخصية من قفازات وأقنعة ومواد كحولية إلى موظفيها وعائلاتهم .. حماية لهم والتخفيف من الأعباء المالية المستجدة عليهم .. بل وصل الأمر إلى دفع مبالغ تحفيزية لإقناع الموظف بأخذ اللقاحات المطلوبة حماية لهم من الأمراض.
والآن تجري مفاوضات جادة بين الشركات والمنظمات العمالية لتشريع مكافآت مالية الزامية تعطي للموظفين وتسمي بونص كورونا.إنها مبادرات ذكية تتعامل مع الإنسان ككيان متكامل جسد وروح وعقل.