اجتماعية مقالات الكتاب

ثقافة الاستشارة القانونية

من أعجب برأيه ضلَّ، ومن استغنى بعقله زلَّ.
ثقافة السؤال والاستفهام والاستشارة ثقافة عالمية، لا تقتصر في مدلولها على أنماط مهمة في الحياة، بل تتعدى ذلك لتشمل كافة سبل التعايش.
فالمريض بحاجة إلى استشارة الطبيب، والمسافر بحاجة لاستشارة من سبقوه، والتاجر بحاجة لاستشارة أقرانه في التجارة وهكذا، حتى أصبحت الاستشارة أسلوب حياة وثقافة مجتمع، بل لا يكاد يمر يوم على الشخص دون سؤال أو استشارة، ابتداءً بما يريد أكله وأي مطعم يرغب الذهاب إليه، وانتهاءً بتقديم هذه الاستشارة للغير.

ومع اتساع نطاق التعامل بين الأفراد، وصعوبة الإلمام بكافة الأنظمة التي تحكم حياة الناس، أصبحت الحاجة إلى الاستشارة أكثر أهمية من ذي قبل. ونحن هاهنا لا ندعو العامة للاطلاع على الأنظمة كلها ومعرفة تفاصيلها وموادها، فهذا شأن المختصين والباحثين، ولكن ندعو إلى معرفة القدر الواجب منها، خصوصاً تلك الأنظمة التي قد تتقاطع مع أحداثنا وممارساتنا اليومية، وإن لم يكن فباستشارة المختصين عن أهم المواد النظامية التي يحتاج إليها الشخص في نطاق أعماله. ولإن كانت الاستشارة مهمة في أمور الحياة اليومية، فهي في الأمور القانونية من باب أولى، لكونها ترتبط بحقوق والتزامات الأفراد تجاه الغير، وكذلك ارتباطها بكيفية تعامل الأفراد مع بعضهم وعدم اعتدائهم أو تجاوزهم.

فالموظف الحكومي ينبغي عليه الاطلاع والاستشارة عن أي أمر يخص الأنظمة المتعلقة بوظيفته، سواءً كانت أنظمة إدارية، أو كانت مما يندرج تحت نطاق التجريم، أو كانت مما يتعلق بنزاهة الوظيفة وحسن سير العمل فيها.

والتاجر في تجارته يحتاج إلى استشارة من هم على علم ودراية بأنظمة التجارة، ممثلة في نظام المحكمة التجارية والأوراق التجارية وغيرها. كما أن المهتم بالتقنية وبوسائل التواصل الاجتماعي ينبغي عليه السؤال والاستشارة حول نطاق التجريم فيها خصوصاً تلك المتعلقة بالجرائم المعلوماتية وجرائم الإرهاب.
وهذا الأمر ينطبق على كل شخص في نطاق أعماله، فالجهل بالقانون ليس عذراً يمنع المسؤولية المدنية أو الجنائية.

وبالتالي كان لزاماً على الأفراد الاطلاع والسؤال والاستشارة عن كل ما يتعلق بشؤونهم الحياتية مما يرتبط بالالتزامات التي تقع على عاتقهم، وكذلك ما يرتبط بحقوق الآخرين، كما أنه من الواجب على الجهات الحكومية والمؤسسات الأهلية والشركات تثقيف موظفيها بكافة الأمور القانونية المرتبطة بوظائفهم، والعمل على عقد دورات تدريبية وورش عمل توعوية من أجل الوصول إلى ثقافة قانونية عامة توفر على هذه الجهات معالجة المخالفات الإدارية والجنائية التي قد تحدث بسبب جهل الموظفين بما لهم وما عليهم.

وفي الحقيقة فقد وقفت على كثير من القضايا التي تولى أصحابها زمام الأمور فيها دون استشارة خبير أو مختص، وتكبدوا فيها خسائر فادحة في الأموال والأوقات، ولو لم يستغنوا بعقولهم، واستشاروا أصحاب الاختصاص لوصلوا إلى الرأي القانوني الصحيح ابتداءً دون الحاجة إلى الاعتزاز بأنفسهم.
كما أن الاستشارة اللاحقة قد تؤدي إلى تعثر الوصول إلى الحقيقة مبكراً، فكون الشخص لا يلجأ للمختصين والمستشارين إلا بعد وقوع الحادثة وانقضائها لهو من أكبر الأسباب المؤدية إلى فقدان الحق والعمل بعد ذلك على تلافي الأخطاء وطول أمد الحصول عليه.
فالاستشارة ثقافة، كلما تربى عليها المجتمع زادت مناعته في مواجهة الجرائم والمخالفات، فلا إعجاب بالرأي، ولا استغناء بالعقل، فالمرء قليل بنفسه، كثير بمن حوله.
alghamdi794@gmail.com‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *