الوطن هو مكان إقامة الإنسان ومقره الذي إليه انتماؤه وُلد به أم لم يولد، فحب الوطن والتوجّه في المشاعر إليه شيء فطريٌّ ليس لنا فيه يد، كيف لا وفيه يجد الإنسان الألفة ويشعر بالراحة، فهو الوطن الذي سكَننا قبل أن نسكنه، ففي شوارع الوطن كبرنا وترعرعنا وفي مروجه الخضراء لعبنا وضحكنا، وفيه تذوقنا نكهة الفصول جميعها.
قال الجاحظ : “كانت العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من تربة بلدها رملاً وعفراً لتستنشقه”، فالقلب يعجز عن الإفصاح عن حبه للوطن ، إلّا أنّ الفعل هو خير وسيلة للتعبير عن هذه المشاعر النقيّة، فلأوطاننا علينا حق يتمثل في التصدي لأي خطر يحيط بها، ويدفعنا للحفاظ على أمانها والحفاظ على ممتلكاتها العامة، ويدفعنا لأن نقدّم كل ما فيه نماؤها وازدهارها، فنكون مواطنين صالحين بارين ، ونعمل على تطويرها ورفعتها كلٌ بما يستطيع من علم وموهبة وخبرة، فنسعى للعلم والتطوير والابتكار، ونساعد بعضنا لتحقيق التكافل الاجتماعي، ونحافظ على نظافة شوارعها وحدائقها ومؤسساتها لتزداد بهاء وجمالاً.
وحبّ الوطن فطرة في أعماقنا لا يدركها حقاً إلا من غاب عنه وأضناه الحنين، فعاد ليقبّل ترابه ويتنفس هواءه، وقد حثّ ديننا الكريم على حبّ الوطن والوفاء له فقال برواية عن ابن عباس يصف فيها حبّه لمكة المكرمة:(ما أَطْيَبَكِ من بلدٍ، وأَحَبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أَخْرَجُونِي منكِ ما سَكَنْتُ غيرَكِ) [حديث حسن]، على الرغم من أنّ حب الوطن غير مرتبط بدين أو قانون، فهو حب مزروع في قلوبنا منذ الصغر، فكيف يفرّط الإنسان في أرضه، وفي وطنه يجد كرامته ورفعته كما لا يجدها في مكان آخر؟!
إنّ هذا هو ما يدفعنا للتمسك به والوقوف لحمايته بكل ما نستطيع، والسعي إلى تطويره في كل المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية منها كل منّا حسب نطاق علمه ومهنته، والمحافظة على نظافة أرضه ومائه، ونقاء بيئته وهوائه، ومشاركتنا بالحملات التطوعيّة التي تزيد من نمائه وجماله، فهنا نغرس شجرة وهناك ننظف حديقة وفي ذلك الشارع نساعد فقيراً، وفي مدارسه ومؤسساته نحترم الأنظمة والقوانين لأنّ تعاون أبناء الوطن يحقق رفعته ويجعله محمياً من المطامع، مُهاباً بين الأمم وهو الأمر الذي ينعكس على مهابة أبنائه أينما حلّوا، فتراهم مرفوعي الرؤوس شامخي النفوس، ملؤهم الفخر والاعتزاز بوطنهم.
إنّ الوطن كنز الإنسان الذي لن يعوضه شيء إن فقده، فلنحرص عليه ولندافع عنه بكل ما أوتينا من قوة، ولنعمل جاهدين ليُحلّق علمه عالياً بين أعلام الأمم في كافة المحافل والمناسبات، ولنحمل حبّه في قلوبنا جيلاً بعد جيل.