اجتماعية مقالات الكتاب

ذكريات يغذيها الغضب

ما يحدث للإنسان في رحلة حياته ليس مهماً بقدر شعوره مما يترتب عليه من ذكريات لتلك الأحداث؛ إنني أشفق كثيراً على الأشخاص الناضجين الغاضبين في الحياة؛ فهؤلاء الأشخاص عادة لا يصلون لقناعة تفسر الدافع وراء كل ما يحدث لهم؛ فكل الأمور مكشوفة للغاية ولكن حجم استيعاب القسوة لا يمكن تخيله فيقفون عاجزين عن التفسير؛ كنت قد كتبت من قبل عن أن عمق مأساة الإنسان يتلخص في الثقة والندم؛ ثقة لمن هم غير أهل لها؛ وندمٌ على النبوآت التي لم تتحقق؛ يقع الضرر يوماً تلو الآخر علي الإنسان ليشكل بالنهاية شخصا من الصعب مواجهة حجم غضبه أو هزيمته أو حتى كسر حاجز صمته؛ شخص يعيش على ذكريات متجددة لا تموت ولا تهدأ أبداً؛ تتغذى على تفاصيل مؤلمة تجعله في حالة غضب دائم من كل شيء؛ يقرر التحصن بآلامه وأوجاعه لدرجة تجعله يعجز حتى عن تفسير سبب غضبه؛ الخذلان أو حتى الشفقة كلها أسلحة ضعيفة أمام الغضب؛ فالشخص الغاضب دافعه الانتقام، والانتقام بدوره يولد العنف والعنف يوصل في النهاية لفقدان الحقوق حتى وإن كنت صاحبها.

من المزايا الأدبية أن للكاتب الحق في الاختفاء وراء ستار الكتابة والحالة العامة التي تسمح له بالبوح بأمور يشعر بها غيره؛ كالحزن والفرح والحب والشجن؛ كلها أمور لست متأكدة أن لها عواقب جسدية بقدر يقيني بأن لها كوارث نفسية وخيمة؛ في العادة الغضب يعود بشكل أكبر على النساء؛ لكن بعيداً عن النسوية؛ الأنانية والرغبات وغياب العدل قد وحد الجنسين في مشاعر الغضب؛ فهو ينمو ليحول الناس من حولك إلى أشخاص غير موثوق بهم؛ تخبرهم بحقيقتهم من دون أي شعور بالذنب على الإطلاق؛ تتحجر مشاعرك بشكل لا يصدق حتى وإن همس صوت داخلك ماذا يحدث؟! وقتها يرد غضبك ليقول: هل سينقسم العالم بعد مواجهتهم؟ بالتأكيد لا أنه لأمر معقد تلمس فيه أول خيوط غضبك وتنفس عنها بشكل أكثر إنصافاً خاصة مع أولئك الذين آمنوا بأن الطريق للوصول إليك بالأساس هو محاربتك!

الحب هو العامل الرئيس في نمو مشاعر الغضب داخل البشر فهو الدافع الأساسي لتكوين فكرة ما عن شخص آخر بعد رحلة من التصرفات غير المقبولة إنسانياً باسم الحب؛ يظل الغضب متخفياً خلف الصوت الذي يهمس لنا أن نتغاضي عن تلك التصرفات اعتقاداً بأن الطرف الآخر قد يدرك حجم الإساءة ولكن دون جدوى لنفاجأ بالنهاية بردة فعل عنيفة وقاسية للغاية يمكن أن تدمر العلاقة بين الشريك في لحظة بعد رحلة من التنازلات والصمت؛ وهو لأمر في غاية الخطورة بل ويفسر للكثيرين حالة الغضب بين الشريكين التي تكون على أسباب لا تستحق الحديث عنها؛ لكنه حقيقة الأمر ما هو إلا ستار اختبأ خلفه الغضب لعدة شهور أو حتى سنوات وانفجر بشكل مفاجئ وبطريقة مخيفة غير متوقعة.

Nevenabbas88@gmail.com
NevenAbbass@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *