قضية

كورونا يكسب جولة الاسترخاء

جدة – رانيا الوجيه

قبل الإجراءات الأخيرة التي أتخذتها الدولة لوقف نزيف الإصابات والوفيات والحالات الحرجة كانت التفاصيل في الشارع طوال الاسبوعين الماضيين لا تختلف كثيرا عن مثيلتها قبل يناير 20٢٠ حين كنا على أعتاب الولوج لزمن الجائحة..

ومع هذه الصورة كانت علامات الاستفهام تكبر: هل أعلن رسميا او غير رسمي القضاء على الفيروس نهائيا ؟ ألا يستمع الناس ويشاهدون يوميا المتحدث الرسمي لوزارة الصحة وقد بح صوته محذرا من تهاون يعقبه الرجوع إلى الخلف ؟ ألا يتابعون دولا في داخل وخارج المنطقة لجأت ثانية الى الاغلاق التام بعد ان عادت صور الجثث المتكدسة تتصدر صحفها وفضائياتها ؟ هل فهم البعض ان مجرد اخذ اللقاح – جرعته الاولى او جرعتيه – يبدد شبح العدوى ؟ ماذا حدث لكي نتراجع عن حالة الاستنفار داخل المجتمع التي استجابت لجهود الدولة الكبيرة لتوفير البيئة الصالحة والقادرة على حسم المواجهة مع الفيروس القاتل لصالحنا ؟ لماذا هذا الاستهتار الذي لايستثني احدا ؟ وفي محاولة لفهم ما يحدث وحل لغز حالة الاسترخاء وعواقبها الوخيمة كانت هذه المشاهد التي رصدتها جولة “البلاد” في الشارع

المشهد الأول: سائق سيارة توصيل الطلبات للمنازل انزل الكمامة اسفل ذقنه وطوح بالقفاز الى ابعد مسافة تصلها رميته ووقف مع زملائه يتمازحون ويتصافحون ويتهامسون.. وفي الفاصل بين مزحة وأخرى سألناه: لماذا؟ الا تخشى ان يعديك زميلك؟ ألا تخاف ان تنقل العدوى لأبرياء وانت تسلمهم طلباتهم .. ابتسم بلامبالاة مكتفيا بقوله: الله هو الحافظ .. وعاد للمزاح مستجيبا لصديق يبدو ان سؤالنا استفزه.

المشهد الثاني: تجمعت اعداد غفيرة على الكورنيش مستمتعة بالاجواء الربيعية المبكرة .. العوائل تجلس متلاصقة و”طق الحنك” لا يتوقف .. كمامات الشباب ان وجدت لتغطي الانف والفم .. الاحضان عادت بحماس بالغ .. لم يلتفت احد الى سؤالنا عن الفيروس الحاضر الغائب.

المشهد الثالث: على مقاعد الكافيه المتلاصقة ..مجموعة من الفتيات يبدو أنهن لم يلتقين منذ مدة .. سلام واحضان وقبلات متبادلة وأحاديث شوق تعلو على ما سواها ..الكمامة لا وجود لها على وجوه عمال الكافيه ومرتاديه .. سنحت لنا فرصة الانفراد باحداهن .. عرفنا انها طالبة جامعية في المرحلة الثانية .. لمحت السؤال في عيوننا دون ان ننطق به .. بادرت مبتسمة : هؤلاء صديقاتي لم ارهن منذ الفصل الاول .. انا لم اسمع عن ان احداهن مصابة بالفيروس ومن أصيبت شفاها الله .. وقالت منهية الوقفة التي عطلتها عن مزيد من الترحيب برفيقاتها: لا تقلقي اللقاح اصبح متاحا.
لن استرسل واكتفي بالمشاهد الثلاثة فالباقي مكرر مع اختلاف طفيف في التفاصيل.
نقلنا علامات الاستفهام للأطباء وغيرهم من المختصين .. كان السؤال مختصرا: ماذا حدث؟

لقاح واحترازات
يقول الدكتور فواز المطيري استشاري القلب والقسطرة بمستشفى الحرس الوطني ورئيس المجلس العلمي السعودي لأمراض القلب: بداية اللقاح مهم جدا لمنع انتشار الفيروس ولزيادة المناعة، وفي الفترة الحالية مطلوب من الجميع التسجيل وأخذ اللقاح بشكل جدي ومهم وفي نفس الوقت التطعيم لا يغني عن الالتزام بالإجراءات الاحترازية المطلوبة ، ويجب التشديد على لبس الكمامات في كل وقت، إلى أن يصدر البيان النهائي من وزارة الصحة بإنتهاء الجائحة، ولابد من التشديد على التباعد الاجتماعي في جميع الأماكن،

واضاف : يجب ان نستمع ونلتزم وهناك فريق كبير جدا من وزارة الصحة وهم خبراء في الأوبئة ودائما على تواصل مع الجهات المعنية العالمية والمحلية المتمثلة في منظمة الصحة العالمية وغيرها، والتقرير اليومي للدول الاخرى والوضع الحالي في المملكة. كل ذلك يوفر لنا تقارير مفصلة بشكل يومي وهذه الجهات هى المعنية في الأساس بتحديد متى يكون انتهاء الجائحة على حسب معايير عالمية، وكما نرى ان الموجه الثانية بدأت تكتسح أوروبا وجزءا كبيرا من أمريكا الشمالية واتوقع اننا في منأى عن الموجه الثانية، من خلال الإجراءات القوية التي عملت عليها وزارة الصحة والحمد لله ان المملكة من أفضل دول العالم في مكافحة الجائحة.. واستدرك قائلا: مع ذلك مازلنا في مرحلة الخطر وتوجيهات ورسائل وزير الصحة واضحة وصريحة ويجب أن تأخذ بجدية كاملة، وأتوقع أنه مازالت أمامنا شهور للإعلان عن انتهاء الجائحة ، ولا شك أن مشكلة الإمدادات من الشركات المنتجة والمسوقة للقاح تواجه عالميا وضعا قد يزيد من المدة المتوقعة لانتهاء الجائحة. وينصح الدكتور المطيري مرضى القلب مما يعانون من الشرايين التاجية أو ضعف عضلة القلب بان لديهم قابلية للإصابة بفيروس كورونا أكثر من الأشخاص الطبيعيين ويوصي باستعجالهم بأخذ اللقاح والتزامهم بالاحترازات الصحية.

تساهل مضر
ويتفق معه الدكتور اسماعيل محمد التركستاني استشاري العدوى والمناعة ويقول: محليا، وصلنا إلى مرحلة يمكن معها القول بأننا استطعنا أن نحد وبشكل مؤثر من نشاط الفيروس الكوروني ومن أن تكون له موجة ثانية مؤثرة. وكان هناك انخفاض واضح في اعداد الإصابات والوفيات، كل تلك النتائج الايجابية تحققت بفضل تطبيق احترازات التباعد الاجتماعي (عدم المصافحة والتقليل من اللقاءات الاجتماعية) والاستمرار في لبس الكمامات والنظافة الشخصية (غسيل الأيدي).

لكن، وللأسف في الفترة الماضية (منتصف الشهر الميلادي الماضي خصوصا) وكما ذكر وزير الصحة في حديثه المتلفز بهذا الشأن، تم رصد بعض ما يمكن قوله (تساهل) بتلك التوجيهات وخاصة عدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي (مثل إقامة حفلات الاعراس باعداد كبيرة) الي جانب المصافحة بالأيدي والعناق وعدم استخدام الكمامة باستمرار. أدى ذلك الى الارتفاع في اعداد الإصابات وخاصة في بعض المناطق مثل منطقة الرياض والمنطقة الشرقية.

واضاف : كما ذكر متحدث وزارة الصحة، ان عدد الذين تلقوا اللقاح وصل إلى مايزيد عن 440 الف وعلى مدى الشهرين الماضيين. وكما نعلم (المتخصصين في العدوى والمناعة) ان تلقي اللقاح سوف يكون له تأثير إيجابي في زيادة مناعة الفرد من مضاعفات خطورة الإصابة بالعدوى الفيروسية ولكنه في المقابل لايعني عدم إصابة الشخص بالفيروس الكوروني. هذا يعني، ان الشخص (المتلقي للقاح) قد يكون ناقلا للفيروس وهو في حالة عدم ظهور اي اعراض مرضبة عليه!

وعن العودة الى الحياة الطبيعية يقول الدكتور التركستاني : ندرك تماما ان الامر يتعلق الان بمدى استخدام اللقاحات المتوفرة في الأسواق العالمية، حيث انه من الضروري اعطاء اللقاح لأكبر عدد ممكن من البشر وفي جميع أنحاء العالم. ويبقى الخوف من السلالات المتحورة والتي قد تكون مقاومة للقاحات!

سلامة المجتمع
ويرى الدكتور عايد العنزي استشاري أمراض صدريه في مدينة الأمير سلطان الطبية العسكرية اننا دخلنا الان في الموجة الثانية من فيروس كورونا وتصادف معها ارتفاع عدد الالتهابات الفيروسية الشتوية الموسمية ويقول: مع بداية ظهور فيروس كورونا اتخذت الدول جميعا تدابير للحد من الانتشار وتقليل عدد الاصابات بانتظار اكتشاف اللقاح الناجح وعندما تم اكتشاف اللقاح نجد بعض الاصوات التي تنادي بعدم اخذه بدون سبب علمي مقنع وهذه الاراء تبرز مع اي منتج طبي جديد وخاصة اللقاحات مثل ما حدث مع لقاح الانفلونزا الموسمية وهي ظاهرة عالمية وليست عندنا فقط ويضيف : عن تجربتي مع لقاح الانفلونزا فقد بادرت باخذه سنويا منذ ان اعلن عنه ولله الحمد لا توجد اية اعراض او مضاعفات لان اي منتج طبي يمر بمراحل متعددة حتى يصل الى الجميع ومنها امان وسلامة المنتج .

ويسترسل : اللقاح كما اعلن عنه عبارة عن جرعتين وباذن الله يعطي مناعة تصل الى ٩٥٪ بعد ١٠-١٥ يوما من الجرعة الثانية وهذا لا يغني عن اتباع الاحترازات التي اعلنت عنها وزارة الصحة لسلامة المجتمع حتى نصل الى العدد المطلوب من عدد الذين اخذوا اللقاح وهو تقريبا ٧٠٪ من المواطنين على الاقل.

ثقافة وسلوك
ونواصل التساؤلات: اذن لماذا لايتحول الالتزام الى سلوك مادام الخطر الداهم لايزال ممثلا؟
تجيب الدكتورة محاسن شعيب أخصائي اجتماعي أول: ثقافة وسلوك الشعوب لاتأتي من فراغ ولا بين ليلة وضحاها.
الثقافة والسلوك تبدأ من الصغر لتربية النشئ وتدريبه على الالتزام والانضباط وتكثيف الجهود لتنمية مهارات الافراد وبالتالي انعكاس ذلك على المجتمع. وتضيف: حالة الاسترخاء بعد اخذ اللقاح التي اقتربت مما يشبه الظاهرة.

اعتقد انها حدثت في جميع انحاء العالم وليس فقط في مجتمعنا ويعود ذلك لعدة اسباب منها ما افرزته الجائحة والتي كانت كالصاعقة على المجتمع وتأثير الحجر ومنع التجول وما واكب ذلك من الركود الاقتصادي والمعنوي.

وبعد فترة عصيبة من انتشار الوباء ثم انفراج الازمة والابتهاج بذلك جعل المجتمع في حالة استرخاء بل ولا مبالاة خاصة مع حصولهم على اللقاح وكذلك انحسار اعداد الإصابات والوفيات اليومية، لذلك المسؤلية مشتركة بين جهات الرقابة والمجتمع لضرورة الاهتمام وتطبيق الاجراءات والتشديد في تطبيق العقوبات الرادعة (فمن أمن العقوبة اساء الادب).

الأسرة والمؤسسة التربوية
ويقول خالد الدوس- الباحث الاكاديمي المتخصص في القضايا الاجتماعية والأسرية: لا شك أن الزيادة الملحوظة والارتفاع المستمر في اعداد الاصابة بفيروس كورونا وحسب تصريح معالي وزير الصحة مؤخرا.. من أهم اسبابها التجمعات بأنواعها، والتراخي في تطبيق التدابير الوقائية في الوقت الذي يعيش فيه العالم الموجة الثانية والقوية من الجائحة وبشكل اكبر من الاولى.. ويضيف: جاءت هذه الزيادة لتؤكد الحالة العامة من الاستهتار والتهاون وتراخي البعض بالإجراءات الاحترازية وعدم تطبيق التعليمات الوقائية والحرص على ارتداء الكمامة في المجمعات التجارية والأماكن العامة وتطبيق التباعد الاجتماعي في المناسبات الاجتماعية والتجمعات العائلية وإهمال نظافة اليدين,وكثرة المصافحة من قبل البعض في مكان العمل او غيره ..

وهي كلها عوامل تساهم وبشكل كبير في انتشار الفيروس, وبالتالي ربما يضعف مناعة الحفاظ على الصحة العامة وتهديد سلامة المجتمع إذا لم يتم الالتزام بهذه الاجراءات الاحترازية من الجميع, ومن المؤكد أن التهاون في تطبيق الاجراءات الوقائية وعدم الالتزام بالتعليمات الرسمية قد يؤدي الى الرجوع للمرحلة الاولى في مواجهتنا الوطنية مع وباء كورونا وفرض القيود الوقائية ولذلك كلنا مسئول في حماية مجتمعنا من اثار هذه الجائحة وتحقيق الامن الصحي وعلينا ان نشعر بالمسئوولية الوطنية ونلتزم بالتعليمات الوقائية واتباع الاجراءات الاحترازية ونكون يدا بيد مع كل ما يحمي صحة الوطن وتحقيق سلامته.

فالوعي المجتمعي هو صمام الأمان في مواجهة فيروس كورونا ولذلك فإن الحاجة الى ان تتحول الاجراءات الاحترازية الى ( ثقافة) وسلوك ومنهج حياة للأبناء وينبغي تفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية: ومنها الاسرة حيث تلعب الأسرة دوراً مهماً ومحورياً في تعزيز التوعية لدى الأبناء باتباع السلوكيات والممارسات الصحية، حتى تصبح ثقافة متأصلة يمارسها الأطفال في سلوكياتهم وتعاملاتهم اليومية.
كما ان المسئولية تقع على المؤسسات التعليمية في توجيه الطلاب والطالبات بإتباع التعليمات الوقائية الصحية والتأكيد على ان الفيروس لم ينته ومازال موجوداً بالإضافة الى دور المؤسسات الاعلامية المختلفة في رفع سقف الوعي وتنوير المجتمع بخطورة هذه الفترة من الموجة الثانية لكورونا وهي اكبر من الاولى ولسنا بمنأى عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *