اجتماعية مقالات الكتاب

استغاثة في مقبرة

أكتب اليوم عن معاناة أجزم أن معظمكم مرّ ويمرُ بها كلما قرر أن يذهب لإحدى مقابر مدينة الرياض والمدن الكبرى في المملكة.. المعاناة هي أن من يذهب للمقبرة للمشاركة في تشييع ومواراة المتوفى يجد نفسه في حيرة كبيرة، وفي حركة دائبة بين القبور يبحث عن قبر من ذهب لتشييعه..

ولكي لا يقال إن هذا بسبب كــورونـا، فإنه كان هذا يحدث قبل جائحة كــورونـا ومازال إلى اليوم.. يظل الواحد منا يدور بين القبور ينظر في الوجوه لعله يجد وجهاً يعرفه ليهتدي لقبر من ذهب لتشييعه.. ويظل يتنقل بين القبور.. بخاصة إن كانت الجثامين كثيرة، وهنا تكون المهمة معقدة، فبين حرج سؤال الناس: هل هذا قبر فلان أو فلانة، ويستمر في السؤال إلى أن تنتهي مهمة المواراة والدفن، وقد يغادر الناس المقبرة وهو لم يهتد لضالته، أو قد يتسلل الملل والحرج إلى داخله فيغادر المقبرة دون أن يؤدي واجب التشييع والعزاء.. وزادت هذه الإشكالية مع جائحة كــورونـا وارتداء الناس كِمامات غطت وجوههم، فصار من شبه المستحيل أن تعرف حتى أخاك أو ابن عمك.. ما يحدث في المقابر إرباك وارتباك لا حدود له، وحرج وإحراج لا نظير له.. وظل سنوات وسنوات دون أن يجد من يتصدى لتنظيمه، مع أن التنظيم سهل للغاية ولا يكلف شيئاً.. مجرد لوحات خشبية تعد أول مرة ويلصق عليها اسم المتوفى وتوضع واقفة بشكل واضح بجانب كل قبر يستدل بها من يتجمعون في المقبرة للمشاركة في تشييع موتاهم.. فهل هذه مهمة معقدة؟ أم مستحيلة التنفيذ لو أضيفت للعقد المُبرم مع الشركات المتعهدة بتشغيل المقابر؟.

والارتباك نفسه ينتاب الصلاة على الجنائز بعدما صارت تؤدى في المقابر إثر الجائحة، فترى صفوفاً لا ترتيب فيها ولا تنظيم ولا تباعد ولا احترازات مما تقضي به الأنظمة وما يطبق خارج المقبرة..

ثم يلي دفن الجنازة ارتباك آخر عند تزاحم الناس لتقديم واجب العزاء، وإصرار البعض على العناق والاحتضان.. والسؤال الذي يرمي نفسه بقوة: ألا يمكن تنظيم كل ذلك؟ لماذا تركت الأمور لعمالة حظها من التعليم شبه منعدم؟ أين مشرفو ومراقبو الشركات المشغلة للمقابر عن مثل هذا الارتباك والتزاحم الذي يحدث في المقابر؟ مع العلم أن هذا هو حال المقابر في المدن الكبرى المزدحمة بالسكان، ليس من اليوم بل منذ سنوات طويلة، دون أن تكون هناك مبادرة تزيح هذا الارتباك وهذه الفوضى، وتعطي صورة طيبة لعمليات تشييع ومواراة الموتى في مقابرنا، المرجو أن تجد هذه الكلمات صدى لدى الجهات المعنية فترفع معاناة الناس.. ولا تكون كما يقول المثل الشعبي: “صيحات استغاثة في مقبرة”.
والله الموفق.
‏ogaily_wass@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *