في ليلة رأس السنة 2021 .. وانا مسترخ أمام التلفاز علي كرسي الكسالى غفوت وسبحت في أحلامي .. ووجدت نفسي أمتطي طائرتي الخاصة الدرون .. وبالرغم من قرارات الإقفال وحظر التجول التي فرضتها معظم دول العالم على مواطنيها ومنع إقامة المناسبات والتجمعات .. إلا أن إرادة الفرح تفوقت وتهورت وخرج البشر إلى الشوارع كي يحتفلوا بالعد التنازلي لبدء عام جديد ويجمعهم دعاء وأمنية واحدة بأن يكون العام الجديد نهاية الآلام والمرض.
وحلقت بطائرتي الدرون فوق عواصم أوروبا وآسيا وأمريكا كي أشاهد ما يجري حول العالم في تلك الليلة .. رأيت العالم مغمورا بالورود والإضاءات والألوان والموسيقي تصدح في كل مكان والأرض تنبض بالحياة فالبشر يمشون ويركضون ويقفزون ويغردون مثل الكناري وعصافير الجنة .. فلا حدود ولا سقف لفرحهم وسعادتهم وحبورهم .. كانوا يصنعون الفرح على الأرض وفي السماء وبكل الألوان والأشكال والأحاسيس والمشاعر.
ومن أجمل وأعظم ما شاهدت هو مفهوم الفرح عند تلك الشعوب .. أذهلتني الزينات والأنوار وأقواس النصر والهياكل والمجسمات الفنية منصوبة في الشوارع الرئيسية للمدن .. إنها أعمال فنية تشكيلية وتصويرية وهندسية .. عمل على تصميمها وتنفيذها آلاف المبدعين والمهندسين والفنانين .. وفي الجانب الآخر تشاهد أرضية الساحات مفروشة بالورود وعقود الاضواء والتي تتشكل بالرسومات والألوان .. مرة عبارة عن سجادة عملاقة ومرة أخرى لوحة فنية .. وهناك ساحات عملاقة للتزلج علي الجليد واستعراض رقصات الباليه لكل الأعمار والمحترفين الخ ..
أما واجهات المباني فقد أرتدت حلة من ديكورات الإضاءة وأدوات الزينات الإحتفالية والورود .. في تناغم وتزاوج مع التصميمات الخارجية للمباني التاريخية والحديثة.
وشاهدت أكشاك الصناعات اليدوية التقليدية للهدايا التذكارية والألعاب المصنوعة من الدمي بابداع وافكار مبتكرة .. إلى جانب أكشاك الأكلات الشعبية المطورة والتي تتناسب مع الأذواق المحلية والعالمية .. وكل كشك عبارة عن مجسم او منحوتة فنية متفردة.
الملفت في كل ماشاهدت كان الاهتمام الشديد بالخدمات الراقية لذوي الاحتياجات الخاصة .. والأمر الآخر كانت إيجارات تلك الأكشاك في متناول المبدعين بعيدا عن الغلو في الاسعار.
وفي طريق العودة .. طافت بي طائرة الدرون في سماوات العالم العربي .. وصحوت على صوت فرقعات الألعاب النارية والتي اختزلت مفهوم الاحتفال والفرح لدقائق معدودة .. لا تترك في النفس أثرا لتجربة مثيرة أو ذكرى محفورة في العقل والوجدان .. بعكس تلك الإحتفالات التي تستمر شهرا كاملا لإشباع المتعة والفرحة.
بعد هذه الرحلة انتهيت إلى أن صناعة الفرح هي جزء من هوية الأمم .. وهي عبارة عن عادات وتقاليد وطقوس تحاكي الماضي بثوب عصري والحاضر بتوظيف مفاهيم الأجيال الجديدة والتكنولوجيا الحديثة .. أما المستقبل .. فيعني استشراف الأمل والتفاؤل والإستعداد لانطلاقة حياتية جديدة مفعمة بالتغيير والتحول.