جدة – عبد الهادي المالكي
جنوب مكة المكرمة وخلاصتها وعطرها، رأس سلسلة جبال السروات شامخة تمس السحاب، “الطائف” أقدم المدن التي تم استيطانها في الجزيرة العربية، عُرفت في كتب التاريخ بأنها ثالث المدن الحضرية قبل الإسلام بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث يمتد تاريخها إلى أكثر من ألفي عام عميقة في الذاكرة وعتيقة.
موقع الطائف الجغرافي ومركزها الحضاري في العصر الجاهلي أكسباها سمعة واسعة ومكانة مهمة، لتكون مركزًا تجاريًا بين بلاد الروم والفرس والحبشة واليمن والشام، ومحطة في رحلات التنقل من جنوب الجزيرة إلى شمالها، التي انعكست بما تضمه الطائف من المواقع الأثرية التي تحكي عراقة وتاريخ وماضي هذه المدينة، عظيمة الحضارة والباسقة منذ القدم. وتبرز المواقع الأثرية في الطائف متمثلة في النقوش والرسوم الصخرية المنتشرة في الجبال والأودية، فهي تحتفظ بعدد كبير من مواقع النقوش الإسلامية، تباينت مواضيعها وأماكنها، وسجلت بعض الأماكن أعدادا كبيرة من النقوش.
ويعد موقع الردّف من أبرز المواقع الأثرية، ويضم كما هائلًا من النقوش العربية الإسلامية، ومعظمها يعود للفترة المبكرة من البعثة النبوية، في حين أنّ هناك العديد من المواقع الأخرى التي سجلت حضورًا قويًا للخط العربي الإسلامي في البدايات، وتتواجد داخل وبالقرب من الطائف، منها جبل أم العراد، وهضبة بانية، وأم السباع، وحمى النمور.
وتم العثور على العديد من النقوش بالخط العربي في أسفل جبل برد، وفي مواضع متفرقة من الهدا، والشفا، وغدير البنات، ووادي ليه، وجبل السكارى، ووادي النمل، وقريبًا من وادي السيل، مثل ريع الزلالة، والخويرمة وغيرها.
وفي جانب آخر تم العثور على عدد كبير من الأحجار الشاهدية في المقابر الإسلامية في الطائف، مثل مقبرة الوهط، والمقبرة الملحقة بمسجد عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، وحالياً يوجد العديد من هذه الشواهد في مكتبة مسجد عبدالله بن عباس، وأخرى لدى النادي الأدبي، وأمانة الطائف، إلى جانب مجموعة أخرى يحتفظ بها عدد من الهواة، وأصحاب المتاحف والمجموعات الخاصة.
وتشير أعداد النصوص الأثرية المكتوبة بوضوح إلى انتشار الكتابة على نطاق واسع بين أفراد المجتمع في الطائف، الأمر الذي يمثل ظاهرة اجتماعية وحضارية مهمة، خاصة وأن تعلم الكتابة آنذاك لم يكن أمرًا ميسورًا، فضلًا عن المواد والأدوات المتوفرة، وصعوبة تنفيذ هذه الكتابات على النحو الذي يظهر لنا في الوقت الحالي.