متابعات

احذروا غسل العقول

جدة ـ رانيا الوجيه ــ ياسر بن يوسف ــ مكة المكرمة ـ احمد الاحمدي

يتسم العصر الحالي بالتطور التقني الهائل، والذي أسهم في إحداث كثير من التغيرات، في شتى المجالات، أهمها الاجتماعية، والتربوية، والتعليمية، ولا نستطيع أن ننكر أن التقنية الحديثة أمسكت بزمام الأمور في الحياة العصرية، وسيطرتْ على أساليب حياتنا المختلفة علميًّا، وفنيًّا، واقتصاديًّا، فنقلتنا من الجمود الواقعي إلى عالم مفتوح النهاية ليس له توقعات أو حدود.

ولاشك أن للتقنية الحديثة أثرها الإيجابي في حياتنا المعاصرة، فقد سهلت الكثير من أمور الحياة، ووفرت الوقت والجهد في الكثير من الأعمال، غير أن هذه النظرة ليست دقيقة في مجال التربية، خصوصا وأن التكنولوجيا جلبت مجموعة من التحديات الجديدة، وباتت تلعب الدور الأكبر في تربية وتشكيل عقلية الأبناء حيث غيرت مفاهيم ونظريات التربية والتعليم التي تعاملت مع الطفل على أساس أنه وعاء أو مجرد مستقبل للتجارب التربوية والتعليمية، بل وجعلت من العملية التربوية عملية شديدة الصعوبة، فأصبحت التكنولوجيا الشريك الأكبر للوالدين في تربية أبنائهم، ولم تعد الأسرة هي العنصر الرئيسي والمؤثر الأهم في التربية، بل ثمة عناصر أخرى ساهمت التكنولوجيا في ظهورها، مزاحمةً الآباء في تعليم وتوجيه أبنائهم، ما يحتم عليهم تغيير أساليب تربيتهم وتفهم عقلية الأبناء، في ضوءِ تعاملهم مع تقنية متطوّرة وثقافات مختلفة . (البلاد) حملت هواجس مزاحمة التقنية للآباء وتشكيل الوجدان الجمعي للأبناء والتقت بعدد من المختصين النفسيين والذين أكدوا أن تربية الأبناء في الراهن تشكل تحديا للآباء، فالوقت المتاح للكثير منهم يتقلص باستمرار بسبب كثرة مسؤوليات الحياة من ناحية، وغزو التكنولوجيا من ناحية أخرى، ومع هذا الغزو لوسائل التكنولوجيا الحديثة، ازدادت الفجوة بين الآباء والأبناء، وأصبح الآباء هم الحلقة الأضعف في التربية أمام هذه الوسائل، وازدادت المشكلة عندما أصبحتِ الأجهزة في متناول الأبناء، دون رقابة لما يتم تصفحه من خلالها، فقدمت لأبنائنا تغذية فكرية، وثقافية جديدة ومختلفة، وحدت من تطورهم الاجتماعي، وقدراتهم الإبداعية والخيالية حيث أثبتت معظم الدراسات أنّ أبناء القرن الواحد والعشرين هم الجيل الرقمي.

ففي السنوات الأولى من عمرهم يستعملون تكنولوجيا الترفيه حوالى سبع ساعات في اليوم، وأغلبهم لديه تلفزيون في غرفة نومه، والكثير منهم يُتاحُ له مشاهدة التلفزيون عل امتداد اليوم من دون حسيب أو رقيب، كل هذا ادى لوجود مشكلات سلوكية تترتب على حصولهم على معلومات غير المناسبة لهم، ولأعمارهم، خاصة ظهور الإعلانات المخلة، بل وحتى الألعاب أصبح الكثير منها يتخذ من العنف قاعدة انطلاق لهدف اللعبة، هذا إن لم تكن تحوي كذلك مضمونا يدس السم من خلاله لهم.


بداية أوضح الكاتب الاجتماعي عبدالرحمن المرشد أن المواءمة بين التقنية والتربية الأسرية الصالحة تكاد تكون صعبه هذه الفترة، وهي عبء كبير على الاسر لوجود اشخاص آخرين يشاركونك تربية أبنائك وانت لا تعلم حيث يجلسون بجوارك وهناك عالم آخر مخيف يوجههم و يتدخل في سلوكياتهم، وأرى ضرورة تفعيل الرقابة الذاتية في هذه المرحلة مع تقوية الوازع الديني.

عالم افتراضي

جمانة مفتي أخصائية سلوك أطفال تقول: لا ننكر ان استخدام الأجهزة الذكية له ايجابيات عديدة، وهو طريقة رائعة للتعلم. مثل الحروف والأرقام والكلمات. ولكن بجانب هذه الايجابيات توجد بعض السلبيات التي يجب على الاهل محاولة تفاديها، وقد يواجه الطفل بعض المواقف التي تجعله غير مرتاح او قد يواجه بعض المواضيع غير المناسبة لسنه ما يؤثر على شخصيته. لذا يجب على الاهل تثقيف نفسهم في كل ما يخص الانترنت وماذا يمكن ان يواجه الطفل في هذا العالم الافتراضي فضلا عن وضع قوانين للعائلة كلها لاستخدام الاجهزة الذكية كما يمكن للأهل تنزيل برامج تعليمية للتأكد من ان الطفل يقضي وقتا مفيدا ويتعلم بدل من مشاهدة الفيديوهات التي يصعب مراقبتها احيانا بالذات إذا كان الأهل غير متواجدين، فضلا عن تحديد وقت محدد لاستخدام الأجهزة ويكون هذا الوقت في وجودهم حتى تسهل المراقبة، كما يجب تشجيع الطفل على ان يحكي للأهل اذا واجهته اي مشكلة او اذا لديه اي سؤال.
آثار سلبية

وفي السياق نفسه أوضح استشاري الغدد الصماء بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة البروفيسور عبدالمعين الأغا أنه للأسف مع هيمنة الإنترنت والأجهزة الذكية زاد معدل استهلاك الأطفال لهذه التقنيات بشكل لافت للنظر وأنعكس أثر ذلك سلباً على صحتهم من كل الجوانب الفكرية والجسمانية والنفسية.
مشيراً إلى أن أبرز الآثار السلبية الناتجة عن كثرة استخدام الألعاب الإلكترونية تتمثل في الاعتزال عن المجتمع، والسمنة المفرطة، أو فقدان الشهية التام، والتحريض على التدخين، وعلى العنف الجسدي، والعنف اللفظي، وانخفاض مستويات الذكاء الاجتماعي، والدراسة، والتحصيل العلمي، وزيادة حالات فرط الحركة، وقلة التركيز”.

إمكانية التوازن

من جهته أوضح الخبير التقني محمد الحدائدي إمكانية التوازن بين التقنية والتربية الأسرية لإنشاء جيل مسلح بالأخلاق واستخدام التقنية بالشكل الصحيح في ذات الوقت قائلا: على كل ولي أمر أن يعرف بأن هذا زمن التقنية وأنها ليست محصورة فقط للترفيه، بل أصبحت مرتبطة بالتعليم والعمل ولذلك لابد أن ينقل الآباء هذه الفكرة بصورة كاملة للطفل وتعريفه بأن التقنية بشتى انواعها هي السبيل للتعليم وكسب الخبرات والمال كذلك يوجد تطبيقات الرقابة الأبوية مثل تطبيق الرقابة من قوقل حيث يستطيع ولي الامر التحكم بجهاز الطفل دون التطفل عليه.

توعية الأبناء

المستشارة الأسرية فاطمه الغامدي تقول لم تعد الأسرة هي المصدر الأساسي في تربية الأبناء بل أصبح هناك عدد من العناصر تساهم في توجيه الأبناء، مما استدعى معظم الأسر إلى تغيير أساليب التربية القائمة سابقاً وتفهمهم الجيد لعقلية أبنائهم في ضوء التعامل مع التكنلوجيا وتقارب ثقافات مختلفة مؤثرة إلى حد كبير في سلوكهم وشخصياتهم , لذا توجب على الأسرة العمل على مواجهة التحديات في زمن التكنولوجيا لافتة إلى أن التقنية سلاح ذو حدين لذا يجب توعية الأبناء بمخاطرها.

غسل العقول

وفي هذا السياق يقول الإخصائي الاجتماعي احمد بن دخيل الله الحازمي إن الاسرة لها دور فعال بكيفية توجيه الابناء بآليات التعامل مع الأجهزة التقنية كما ينبغي على الآباء تعريف أبنائهم بمخاطر هذه التقنية والتي من الممكن ان تغسل عقولهم بمواد لا تتناسب مع العادات والتقاليد والأعراف السائدة، وهنا لابد من تدخل الاسرة ومراقبة الأبناء والتنبيه عليهم بعدم ترك كل الاسرة والاصدقاء من اجل هذه التقنية، وترك الاجهزة بدون مراقبة اثناء الغياب يمكن أن يجلب أشياءً تندم عليها الاسرة. وراينا كما رأى الجميع زيادة الانتحار لدى الاطفال بسبب لعبة في موقع يستغله اعداء الوطن من اجل هدمه فلابد من تحديد ساعات اللعب ويكون امام الوالدين وعدم ترك الاجهزة بيدهم في غيابهما.

اساسيات التربية

ومن جانبها تقول الأخصائية الاجتماعية والأسرية بمركز الخدمة الاجتماعية بمكة المكرمة اريج الجهني نحن لا نستطيع أن نتغاضى عن دور التقنية الحديثة وتطور شبكة الإنترنت في الإسهام بتربية الأطفال خاصة وانهم يقضون ساعات طويلة مع تلك الأجهزة لذا فإن على الوالدين تقنين استخدام التقنية بالنسبة لفلذات أكبادهم إضافة إلى وضع البرامج المخصصة لعمر كل طفل والتي توائم أفكارهم وهواياتهم. وكذلك حماية هذه البرامج من أي اختراقات سواء لدعايات أو اعلانات خارجة عن المألوف. ومحاولة مشاركتهم كل ما يشاهده الطفل. وجميع العابهم واتاحة الفرصة لهم للسؤال عن أي شيء غريب عليهم . وذلك لزرع خصلة التقييم الذاتي وتمييز الصحيح من الخاطئ. حتى مع غياب الوالدين. وترك مساحة حرية لهم لاكتشاف هذه التقنية ودعم مواهبهم بالاطلاع والاكتشاف.

عنوان العصر

اما المستشار التربوي والتعليمي عبدالله بن دحيم فيقول التقنية أضحت عنوان العصر الحاضر ولكن السؤال المهم هل علمنا أطفالنا كيفية التعامل مع هذه الآليات لافتا إلى أن الكثير من الأسر تناست مسألة التربية وتركت الأطفال نهبا للأجهزة الحديثة حيث أنها أصبحت تزاحم الوالدين في التربية ما ينتج عنه مخاطر جمة تؤثر في مستقبلهم مشيرا إلى أنه يتعين أن تخصص ساعات معينة لتعامل الأطفال مع هذه الأجهزة مع توفير برامج أخرى مساندة سواء كانت ترفيهية أو تعليمية لغرس القيم والعادات الاجتماعية في نفوس الجيل الجديد وتزويدهم بالثقافات اللازمة والمعلومات الصحيحة عند التعامل مع هذه الأجهزة والتقنية وتعزيز مفاهيم الرقابة الذاتية في نفوسهم على ما يشاهدونه أو ما يتعاملون معه من برامج تقنية لافتا إلى أن تعليم وتدريب الأبناء على التعامل مع التقنية هو السبيل لوصولهم إلى بر الأمان في حياتهم المستقبلية.

لغة العصر

الاستشارية النفسية هويدا حسن الحاج اوضحت أن التقنية هي لغة العصر ولا نستطيع حجبها، وليس الحل في منعها، فهي تساعد بشكل كبير في الوصول للمعلومات واكتسابها، ووسيلة لتنمية أبنائنا ومواكبتهم للحضارة، دون أنْ نجعلها غاية في حياتهم مع تأطيرِ غزوها الفكري والترفيهي ضمن حدود قيمنا، وبات من الضروريّ تعليم أبنائنا الحكمة منذ الصغر، وإيصالهم إلى مرحلة أو درجة فقه المعرفة، وفلسفة العلم، فلو أحسنَّا إدارة هذه التقنية، واستثمارها في التربية المعاصرة، وفعّلنا دور الرقابة من الوالدين، وإيقاظ الرقابة الذاتية للأبناء في تواصلهم من خلالها، واحترام خصوصية الأسرة، وتفعيل لغة الحوار لمعرفة طريقة تفكيرهم، واستخدام اللغة الإيجابيّة بالتوجيه، سنوفر لأبنائنا بيئة تربوية وعلمية، تواكب هذه التطورات التكنولوجية وتسخرها لخدمتهم؛ لتبقى التربية وأبجديّاتها من اختصاص الوالدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *