في مشهد مؤثر يكاد يدمي القلوب، وقف طفل يتيم ذو خمس سنوات تقريباً ينبش بيديه الصغيرتين الناعمتين التربة محاولاً إخراج أمه المتوفية حديثاً من القبر ! بعد أن أخبره من حمله إلى هناك بأن حبيبته مدفونة تحت الثرى في ذلك المكان. بلا أدنى شفقة لحالة اليتم التي تعرض لها بموت أغلى وأحب وألطف الناس عنده ، ودون مراعاة لمشاعره وأحاسيسه وآلامه الكبيرة مع هذا الفقد المفاجئ ، في جهل فاضح وتخلف واضح لأن الأهم لديهم فقط تصوير مقطع لنشره في وسائل الاتصال، وكأنهم حققوا بذلك فوزاً عظيماً.
وما علموا أنهم بفعلهم يضاعفون الألم ويساهمون في خلق العقد في نفس الطفل الصغير الذي لا يدري لماذا دُفنت أمه؟ حيث لايجد لذلك مبررا -في نظره- لأنه لا يعرف معنى الموت! فلو دفنوا إحدى لعبه لتألم فما بالكم وأن من تحت التراب هي أغلى مخلوق لديه .
وكأني بالطفل وهو يتفجر من الداخل لماذا أخفيتم وجه أمي عنّي ولماذا ولماذا وضعتموها في هذا المكان تحت التراب .. إنني أحبها وأريدكم أن تخرجوها لأراها لتحضنني وأحضنها، فأنا لا أطيق الابتعاد عنها ولا احتمل الفراق، أرجوكم أرجوكم أخرجوا أمي لأراها فأنا في شوق عظيم لها.
أنا لا أريد تصوير مقاطع تتسلون بها على آلامي ويُتمي وأوجاعي، أنا لا أريد أناسا بقلوب حجرية أو بالأصح بلا قلوب أنا محتاج لذات القلب الكبير الأم الحنون.
لقد جئتم بي إلى هنا لتعمقوا جرحي وتزيدوا نزفي وتضاعفوا ألمي .. وكأنكم في شوق لآهاتي ووجيبي ونحيبي ، وإلّا فما حملكم على أن تعلّموني وأنتم غير مبالين بأن أمي الحبيبة مدفونة، وتعلمون تماماً أني أتألم حتى لو هبّ الغبار على وجهها الطيب.
أمّا وقد فعلتم ذلك وعرّضتم نفسي لهذا الحزن الممتد المتجدد فأقول بأنني لا أستطيع أن أفعل لكم شيئاً، ولكن أثق كثيراً بأن الجهات المختصة في الدولة لن تتجاهل كل من يتسبب في تجديد الصدمات وزرع الأوجاع في نفسي ونفوس كل من شاهد أو يشاهد مثل هذا المقطع الباكي الذي دمّرني صغيراً وسيدمرني أكثر عندما أكبر، بتصويري أمام قبر أمي وأنا أنزف من الداخل فيكفي أنكم رضيتم لي بهذا الحزن العميق.