نحاول أن ندعي أحياناً ونتجنب الخوض فيما لا يعنينا عندما يتعلق الأمر بشخص تعرض إلينا بأذية مؤلمة، بل من الممكن أن يتخطى الأمر ذلك إلى افتراض أننا نستطيع أن نتحكم في مشاعرنا ونسخرها كيفما نريد، فنسامح ونعفو ونتجاوز عمن أخطأوا في حقنا بعمد منهم، فإن أصابهم مكروه ما نحاول رسم علامات الحزن على محيانا وندعو لهم بالنجاة، بينما وفي قرارة أنفسنا نحارب الرغبة في الشعور بالنصر هو ادعاء لا أكثر،
ومن يقوى على أن يحوله إلى حقيقة فهو من الصفوة الكرام، الذين حباهم الله بسماحة في النفس لم نبلغها بعد، لم يكن من دواعي سروري أن أجد مصير من ظلمني يقع بين يدي، فحتى لو كنت لا أدعي الصفح فلست ممن يتمنى الشر للآخرين، وقد يكون هذا حالنا جميعا، فقد خلقنا بفطرة نقية، إلا أنني أعلم أنه لو حدث ورأيت من ظلمني يتعرض للأذى لن يكون دافعي الشماته.. إنما يقيناً مني بأن الله يتودد لي بالأمر، فهو يعلم أني لن أسعد كثيراً فلم تكن غايتي الانتقام أو التشفّي إنما العدل، وهاهو عدله أمام عيني.
قد يكون ما أقوله لا يخرج عن كونه منظوراً فلسفياً، أن أتحدث عن غرائز نحملها داخلنا لكنها لم تظهر إلا عندما كبرنا وتعرضنا لها وعرفنا منها معنى الغدر والقسوة وطعنات الخيانة، ربما ما نملكه في وجداننا الطيب مازال موجود وسيظهر مع مضي الوقت،
إنما بعد أن تمر سحابة باردة على القلب تطفئ ما ثار داخله من شرارات، وقد يكون من بيننا من جعل من ذلك الطيب هو سلاحه في جميع الأوقات، فلم يجابه السيئة بمثلها بل سلك طريق الرأفة والرحمة في كل حالاته، هنيئاً له فقد أراح وجدانه من تقلبات عاصفة من الممكن أن تودي به إلى نهاية مأساوية،
ولعل وجود رفقة تعيننا على تحمل تلك الغدرات تجعل من إنضمامنا إلى صفوف الطيبين أمر ممكن، بارك الله في تلك القلوب وزادها نقاء على نقائها، ونرجوه سبحانه أن يجعل لنا من نصيب قلوبهم جانب، وأن يشغل من أخرجونا عن صوابنا في أنفسهم فهي بهم أعلم .