تمضي المملكة العربية السعودية نحو آفاق أرحب من التأثير والحضور الدولي، حتى غدت قوة محورية تمسك بخيوط التوازن في معادلة الأمن الإقليمي والاستقرار العالمي. ولم يأتْ هذا الثقل من فراغ؛ بل من سياسات حكيمة انتهجتها الدولة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-أيده الله- وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان-حفظه الله- فجعلت من المملكة طرفاً أساسياً في صناعة القرار الدولي، ومحوراً لا يُستغنى عنه في الملفات السياسية والاقتصادية والتنموية.
وتشكّل الزيارة الرسمية التاريخية لسمو ولي العهد إلى الولايات المتحدة الأمريكية محطة فارقة في مسار العلاقات السعودية الأمريكية الممتدة لأكثر من ثمانية عقود؛ منذ لقاء الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بالرئيس روزفلت عام 1945م. إلا أنّ هذه الزيارة ليست عادية، بل هي إعلان فعلي عن مرحلة جديدة تنتقل فيها العلاقات إلى شراكة متكافئة مؤسسَة على النّدية، واستقلال القرار وتكامل المصالح.
وما لفت انظار المتابعين اهتمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالضيف الكبير؛ إذ حرّك البيت الأبيض لاستقبال سموه، ووجّه الدعوات الخاصة لقادة الشركات وأعضاء الكونغرس، في دلالة واضحة على المكانة الرفيعة للمملكة، وحضورها الحاسم في توازنات العالم. وكانت تلك الحفاوة الاستثنائية رسالة للعالم بأن السعودية لم تعد مجرد لاعب إقليمي، بل قوة عربية عظمى ترسم خطوط المشهد السياسي والاقتصادي للمنطقة.
وقد ظهر سمو ولي العهد خلال الزيارة زعيماً عربياً شامخاً يمتلك رؤية ثاقبة، وحضوراً طاغياً قادراً على الإمساك بزمام الأمور في الشرق الأوسط. حيث كانت إجاباته أمام الإعلام بمثابة خطط عمل، تؤكد أن الرياض لم تعد تتعامل بردود الأفعال، بل تتقدم لتصنع الغد وتعيد صياغة معادلاته. وقد حمل سموه هموم المنطقة وقضاياها الكبرى من السودان إلى سوريا وفلسطين، حريصاً على معالجتها، ليؤكد أن السعودية مظلة للعرب، وركيزة لاستقرارهم، وصوت للعقل والاتزان في عالم تعصف به الأزمات.
أما على الصعيد الإستراتيجي، فقد أسفرت هذه الزيارة عن رزمة واسعة من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية والتقنية، امتدت من منظومات الدفاع المتقدمة إلى مشاريع الطاقة والذكاء الاصطناعي، واستثمارات سعودية ضخمة تفتح آفاقًا مستقبلية تتسق مع مستهدفات رؤية 2030. وهي اتفاقيات تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون القائم على المصلحة المشتركة، وتوطين الصناعات وتعزيز القدرات الوطنية، ما يمنح المملكة استقلالية أوسع في قراراتها الدفاعية والاقتصادية.
ولم تكن أصداء الزيارة عالميةً فحسب، بل حققت ارتياحاً كبيراً في جميع الأوساط الشعبية بمختلف الشرائح داخل المملكة؛ إذ لمس المواطنون حجم التقدير الدولي لقادتهم، ورأوا في الزيارة دليلاً على أنّ المملكة تتقدم بثقة واقتدار نحو مقعد القيادة العالمية، وتُدار بسياسة توازن لا تحيد عن المبادئ، ولا تتنازل عن ثوابتها العربية والإسلامية.
والواقع أن زيارة سمو ولي العهد الأمين إلى واشنطن لم تكن مجرد زيارة عادية، بل كانت حدثاً مفصلياً أعاد رسم خطوط التحالفات الدولية، وأكدت أن الشرق الأوسط الجديد يُصنع من الرياض، وأن السعودية، بما تمتلكه من رؤية سيادية واستقلال سياسي، باتت تقود ولا تقاد، وتُعيد صياغة مكانتها بما ينسجم مع دورها الحقيقي في المنطقة والعالم.
وهكذا، تواصل المملكة مسيرتها بقيادتها الشابة وطموحها الكبير، وترسّخ حضورها كقوة فاعلة، وصوت مسموع، ويد تبني المستقبل بثبات ورؤية وحكمة.
زيارة تاريخية تصنع ملامح مرحلة جديدة
