اللباقة السلوكية هي مرآة الوعي الداخلي للإنسان، فهي تعكس طريقة تفكيره قبل أن تنطق كلماته. الأفراد اللبقون لا يُجيدون المجاملة فحسب، بل يعرفون كيف يقدرون مشاعر الآخرين، وكيف يتصرفون في المواقف المختلفة بوعي واتزان. إنه فنّ التعامل الذي يترك أثرًا طيبًا في النفوس، حتى دون الحاجة إلى كلمات كثيرة، لأنها تنبع من احترام الذات والآخرين في آنٍ واحد.
في حياتنا اليومية، نلتقي بأفراد يتملكون الكلمة اللطيفة، والابتسامة الهادئة، وطريقة التعبير التي تَسكن القلب قبل أن تصل إلى الأذن. هؤلاء لا يملكون أكثر من غيرهم، لكنهم يتقنون فنّ التواصل الإنساني، ويعرفون أن الكلمة قد تبني أو تهدم، وأن السلوك الراقي لا يحتاج إلى جهد بقدر ما يحتاج إلى وعي. واللباقة هنا ليست تكلّفًا، بل سلوك فطري يُصقل بالتربية والخبرة والاحترام.
وبلا شك أن اللباقة السلوكية تمنح الإنسان حضورًا مميزًا في المجتمع. فهي تُكسبه تقدير الآخرين، وتُساعده على تجاوز الخلافات دون خسائر، وتجعل التعامل معه مريحًا ومرغوبًا. فحين يتحدث اللبق، يُنصت الجميع؛ لأنه لا يُهاجم ولا يفرض رأيه، بل يعبّر بلطفٍ وحكمة. هذا النوع من السلوك يُعدّ اليوم من مهارات النجاح في الحياة الشخصية والعملية على حدّ سواء.
ولأن اللباقة لا تُكتسب بين ليلة وضحاها، فهي تحتاج إلى تدريبٍ مستمر على الوعي الذاتي وضبط الانفعال. أن تختار كلماتك بعناية، أن تُنصت أكثر مما تتحدث، وأن تتذكر أن لكل إنسان كرامة لا تُمسّ، وتلك هي الخطوات الأولى نحو الرقي السلوكي. كما أن مراقبة الذات بعد كل تفاعل تساعدنا على تصحيح الأسلوب وتطويره بمرور الوقت.
وتعد اللباقة السلوكية قيمة إنسانية تُجمّل العلاقات وتُهذّب الاختلافات. حين يتعلم المجتمع أن الاحترام لا يعني الضعف، وأن اللطف لا يُناقض القوة، سنقترب أكثر من مجتمع ناضجٍ في فكره، راقٍ في سلوكه، وإنسانيٍّ في جوهره.
fatimah_nahar@
