مقالات الكتاب

هل نحن مستمعون جيدون؟

الاستماع ليس مجرّد صمت مؤدب، بل مهارة عميقة تتطلب وعيًا حاضرًا وتواضعًا داخليًا. فالإصغاء الحقيقي لا يعني استقبال الكلمات فقط، بل محاولة فهم ما خلفها: التجارب، والمشاعر، والخدوش النفسية التي لا تُرى.
في مقاله “هل أنت مستمع جيد؟”، يوضح كولين فيشر أن التعاطف– الجوهر الحقيقي للاستماع – لا يشترط أن نمر بنفس التجربة لفهم الآخر. كلّ إنسان يرى العالم من خلال “زجاجه” الخاص، وهو زجاجٌ مخدوش وملوّن بتجاربه، لا يشبه زجاج أحدٍ سواه؛ لذا، لا معنى لأن نقول: “أشعر بك” ما لم نرَ العالم من منظوره، ولا فائدة من محاولة إصلاح زجاجه أو تلميعه، لأن كل خدش فيه هو جزء من هويته.
في بيئة العمل، يُفترض أن يكون القادة قدوة في الإصغاء، لكن الواقع كثيرًا ما يخالف ذلك. فقد أظهرت دراسة شاملة أن الاستماع من أصعب المهارات ممارسة، لا سيما عند مواجهة الأحاديث العاطفية أو المعقّدة. وغالبًا ما يقع القادة في فخ التسرّع، أو الدفاعية، أو الغياب الذهني، أو الإرهاق، أو الأسوأ: عدم اتخاذ أي إجراء بعد الاستماع.
أمثلة عديدة تؤكد ذلك. في شركة “جوجل”، كانت اجتماعات TGIF مساحة حرة للحوار، لكنها تقلّصت عام 2019 عندما أصبحت القضايا المطروحة ثقيلة على آذان الإدارة. وفي “أكتيفيجن بليزارد”، أدت اللامبالاة بشكاوى الموظفين إلى احتجاجات علنية. أما في “أمازون”، فقد تضررت مصداقية استطلاعات الرضا الوظيفي؛ بفعل ضغوط المديرين وغياب الثقة في السرّية.
الاستماع الفعّال لا يقتصر على الجلوس والإنصات، بل يتمثل في الحضور الكامل. أن يشعر الموظف بأن قائده يصغي له بجسده ونظراته، يسأله، يتفاعل معه، ويُشعره بأن صوته له قيمة. الأخطر من ذلك أن ينتهي اللقاء بلا متابعة. فأن تُصغي ثم لا تفعل شيئًا، هو خيانة ضمنية للثقة.
الاستماع تمرين على كبح الأنا. أن نتجاوز رغبتنا في الحديث أو تقديم النصائح، ونركّز على الآخر بكل صدق. إنها ممارسة أخلاقية، تتطلب تدريبًا مستمرًا وإرادة للارتقاء.
في زمنٍ يفيض بالضجيج، يصبح الإصغاء فعلًا نادرًا وثمينًا. فالقائد الحقيقي لا يُقاس بصوته، بل بقدرته على احتواء صمت الآخرين.

jebadr@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *