يتزامن نشر هذا المقال، مع سفري إلى القطب المتجمِّد الجنوبي ،في محاولة للوصول إلى آخر نقطة فيه وأهدافي لا تختلف كثيراً عمّن سبقوني إليه ، فهي تحدٍّ للمرونة الجسدية والعقلية وقدرة التحمُّل.
لديّ شغفٌ بالمغامرة نحو المجهول، وأجد متعة كبيرة في اكتشاف شيء جديد ومثير، مثلما لديّ إدمان على الذهاب إلى أماكن لم يصل إليها إلّا القليل، بالإضافة إلى أن تخطّي الصعاب في تلك الظروف القاسية، هو في حدّ ذاته مكافأة قيِّمة بالنسبة إليّ.
القطب المتجمِّد الجنوبي، أو كما يحب أن يسمِّيه البعض :»قاع العالم»، هو واحد من أجمل الأماكن التي تجذب الكثير من المغامرين ،وعشاق الطبيعة نظراً لقسوة أجوائه وتضاريسه.
لقد ظلت تلك البقعة من الكرة الأرضية، مجهولة لفترات طويلة، إلى أن بدأت قوافل البعثات الإستكشافية تصلها تباعاً في أواخر القرن الثامن عشر، فيما كان هدفها تعليمي في الأساس، واستكشاف الطبيعة الجغرافية لتلك المنطقة والبحث أيضاً عن مصادر للطاقة والموارد الطبيعية.
القطب المتجمِّد الجنوبي ،يعتبر تجربة فريدة من نوعها، وهو رغم قسوة أجوائه، يُعتبر من أجمل الأماكن التي يعشقها المغامرون ،وهو في الوقت عينه ، مكان خطِر للغاية ، بسبب درجات الحرارة التي تنخفض إلى مستويات متدنّية، لا يتحمَّلها الجسم البشري ، وقد تصل إلى 70 درجة تحت الصفر، ما يؤدي بدوره إلى التجمُّد أو الجفاف ،أو الإصابة بما يسمّى ب «التثّلِيج» أو «لسّعَة الصقيع»، أو ما يعرف ب»قضّمَة الصقيع»،وهي تجمُّد الجلد والأنسجة تحته،بعد التعرُّض لدرجات حرارة شديدة البرودة ،ويزيد من تلك المعاناة ،الرياح التي تهبّ على تلك المنطقة،والتي تصل قوتها إلى قوة الأعاصير، فضلاً عن خطر الشقوق المخّفية تحت الجليد ،والتي إذا سقط فيها الإنسان ،قد يؤدي ذلك إلى هلاكه.
كان أول من وصل إلى أقصى نقطة في القطب الجنوبي ، هو المستكشف النرويجي «رولد أموندسن» في ديسمبر من عام 1911م،وكان في سباق مع الزمن للوصول إلى تلك النقطة، مع البعثة الإستكشافية البريطانية بقيادة «روبرت سكوت»، والذي وصل إليها بعد خمسة أسابيع من وصول البعثة النرويجية، إلّا أن الفريق النرويجي عاد بسلام إلى قواعده ، بينما الفريق البريطاني ، هلكَ في طريق العودة.
مثل هذه المخاطر، ليست جديدة عليّ، فقد واجهتها في عدة قمم جبال مثل قمة إيفريست، ودينالي، وأُكونكاغوا ،وفينسن، حيث الطبيعة القاسية ،التي لا يتحملها إنسان، ما قد يدفع البعض للتساؤل: ماالذي يدفع الانسان إلى للمغامرة عند تلك الأماكن الخطرة ؟
سؤالٌ قد لا يتفهم إجابته الإنسان العادي، ولكن من لديه روح المغامرة فقط، يستطيع الإجابة عليه.
هي بالتأكيد فرصة لزيارة الأماكن البِكر التي لم يشوِّهها تدخُّل الإنسان، مثلما هي فرصة للتفكُّر في ملكوت الله عزّ وجلّ وإبداع الخالق، والنّمو الشخصي، والترّكيز، واختبار القدرات البدنية وقوة التحمُّل، والتغلُّب على قسوة الطبيعة ،والإنعزال عن العالم والتأمُّل. والأهم من هذا كله، البُعد عن وسائل التواصل الإجتماعي والأجهزة الإليكترونية.
ختاماً، هناك نظرية تقول: (القطب الجنوبي، ليس سوى جدار جليدي يحيط بالأرض، وأن بعد هذا الجدار،تُوجد أراضٍ أُخر) .ونظرية أخرى تقول :(مثلما تحت أهرامات الجيزة مدينة سرية، هناك مدن وفراغات كبيرة تحت الجليد في القطب الجنوبي ، ومن المحتمل أن يكشف ذوبان الجليد في القطب الجنوبي في السنوات القادمة،أسرار جديدة وحضارات سابقة.
أسأل الله أن يوفقني، وأن يحفظني في هذه المغامرة، حتّى أتمكَّن من رفع علم المملكة أيضاً في تلك البقعة من الكرة الأرضية.
jebadr@