إن اختلس الواحد منَّا بضع دقائق من وقته، ثم جلس يتأمل حال العالم اليوم، لاسيَّما حال العالم العربي والعالم الإسلامي وما اصطلح الغرب على تسميته بـ (العالم الثالث) عموماً؛ لا بد أن يتجمّد الدم في عروقه من شدّة ما يصيبه من دهشة وذهول. فمن العراق إلى سوريا فلبنان، فلسطين، اليمن، الصومال، السودان وليبيا، نصف العالم العربي تقريباً، غير الأقليات العربية هنا وهناك، يعيش اليوم أزمة حقيقية تهدّد وجود الدولة الوطنية نفسها، ناهيك عن دمار البنية التحتية وما صاحب ذلك من قتل وتشّريد وترّويع وسلب ونهب وهتك للأعراض واعتداء على الحُرمات وتعّطيل للحياة في كل جوانبها.
صحيح الغرب بكل ما فيه من قوىً إستعمارية وصهيونية يريد ذلك، بل يعمل ليل نهار لتحقيقه. وقد ظل الأمر لفترة طويلة، منذ رحيل الإستعمار بجسده عن تلك البلدان، يُدَار تحت الطاولة. أما اليوم، في عهد الفضاء المفتوح، والشركات العابرة للقارات، ومؤسسات (حقوق الإنسان) الوهمية، وما يقدم من سموم تحت غطاء المساعدات، فلا بد أن يكون معظمكم قد سمع شخصيات بارزة في الغرب من المتطرّفين والمعتدلين على حدّ سواء، وهم يصرحون برغبة حقيقية لدى الغرب في دعم حركات التمرّد وتجار الفتنة والأنظمة الشمولية لتبقى قابضة على زمام السلطة لأطول مدة ممكنة، لنشر الفساد والخراب والدمار، وتعطيل عجلة التنمية، حتى تبقى ثروات تلك البلدان مخزوناً إستراتيجياً للغرب، فيما تظل تلك البلدان نفسها سوقاً رائجة لصناعات الغرب، لاسيَّما السلاح الذي يصرّ الغرب على وصوله إلى كل مواطن في تلك الدول التي يقولون إنها لا تستحق الحياة، لأنها لم تسهم في إقتصاد العالم ولا في ثقافته أو تقدمه بأقل شيء ممكن، ليستمروا في قتال بعضهم بعضاً إلى الأبد؛ بل ذهب بعض الغربيين المتطرّفين إلى أبعد من هذا، فعبروا عن رغبتهم صراحة في إبادة العرب والمسلمين والأفارقة عموماً، لأنهم ليسوا جديرين بالحياة من وجهة نظرهم. وقطعاً ما يحدث اليوم في (العالم الثالث) عموماً، لم يكن وليد الصدفة، بل هو عمل ممنّهج، خَطَّط له الغرب قبل خروج المستعر من تلك البلدان، بل منذ اللحظة الأولى التي جثم فيها على صدر تلك البلدان، إذ وضع حدوداً وهمية هنا (سايكس – بيكو) ومنح صكوك براءة لقبائل هناك، وجنَّد مجموعات متفرّقة هنا وهناك من ضعاف النفوس الذين أغراهم الغرب بالمال والسلاح والخمور والجنس والقمار، فأصبحوا يدينون له بالولاء أكثر مما يدينون لبلدانهم؛ وتحوّلوا إلى رافعة أساسية في كل ما يحدث من دمار في مواطنهم الأصلية : جواسيس يزوّدون أسيادهم الغربيين بكل ما يطلبون من معلومات، ويدسون السُمّ لمواطنيهم حسب رغبة الغرب وتوجيهه. ليس هذا من باب نظرية المؤامرة الممجوجة كما يحلو للبعض رؤية الأمر، إذ إن الشواهد لا تعدّ ولا تحصى.
أنا لا أقول إن كل المواطنين في هذه الدولة أو تلك هم عملاء للغرب والمستعمرين، لكن قطعاً هنالك فئة تمارس هذا الدور بامتياز، لدرجة أن كل ما حاول أهل هذه البلاد أو تلك إطفاء نار الفتنة، سارعت تلك الفئة الرخيصة لإشعالها من جديد.
والحقيقة أتساءل هنا مع كثيرين من الغربيين الذين يقولون صراحة إن مصلحة الغرب تكمن في دمار تلك البلدان، وهو يعمل على تحقيق ذلك ليل نهار؛ لكنهم يتساءلون، وهم محقون: لماذا لا يدير مواطنو تلك البلدان أمورهم بشكل جيد يمنع تدخل الغرب في شؤونهم؟!
على كل حال، صحيح دفعني لكتابة هذا، ذلك الوضع المؤلم الذي تعيشه كثير من بلداننا العربية اليوم من مآسٍ يتفطر لها القلب حزناً؛ متمنياً من كل قلبي أن يعود تجار الفتنة هنالك إلى رشدهم فينخرطوا مع بقية إخوتهم من بني جلتهم هنا وهنالك لتنمية بلدانهم والمحافظة على ثرواتهم وسدّ الطريق أمام التدخّلات الأجنبية بتلاحمهم لحفظ كرامة مواطنيهم.
وقطعاً أناشد شعوبنا في خليج الخير لنظل ثابتين على العهد، قابضين بنواجذنا على لحمتنا الوطنية المتينة مع أسرنا الحاكمة وقياداتنا الراشدة الوفية التي ظلت تتعاقب على خدمتنا وحماية إستقلال بلداننا وتوّفير الحياة الكريمة لنا منذ قرون؛ ولعمري تلك هي الضمانة الوحيدة، بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، لنظل نتقدم دوماً وننعم بهذا الإستقرار والأمن والأمان والرخاء، الذي يحسدنا عليه القريب قبل الغريب، ونضرب بيد من حديد كل مارق مأجور يتسوّل موائد الغرب النتنة الذي احتار حتى اليوم في كيفية الوصول لشقّ صفنا لغرس بذور الفتنة بيننا.
فاللهم لا تغير علينا، وأحفظ لنا استقرارنا وأمننا وأماننا ووحدتنا وتلاحمنا مع قادتنا الكرام البررة.. هذا التلاحم الراسخ الفريد المتوارث من آبائنا وأجدادنا، الذي أعجز تجار الفتنة والخراب والدمار عن الفتّ في عضدنا.. واجعلنا اللهم إلى الأبد رسل سلام وخير وأمن وأمان واطمئنان للعالم أجمع.. اللهم آمين.