آلمتني عبارة كتبها عمي (وهو أصغر أعمامي) في خاطرة من خواطره يقول فيها:
“إلى صديقي المرض
ما بقي في العمر بقية
وستجدني في كل مرة
أقوى منك
أيها الزائر المفاجئ..، وللحديث بقية”
هذه إحدى تجلّياته التي عهدناها في قوته المغلّفة برقّة قلب ومشاعر عطف، ولعلّها هي سرّ تلك القوة التي تجعله في كل حين ومهّما كان الأمر، يلقانا بوجهه الباسم البشوش.
لا أعلم ما الذي جعل تلك الكلمات تستوقفني على الرغم من يقيني بما يحمله من قوة إيمان لا أزكّيه فيها على الله إنما أحسبه كذاك، ربما لأني أراه دائماً ( آخر العنقود )، العم الذي حارت تسميته بين العم الأصغر أو الأخ الأكبر لأبناء إخوانه.
عمي العزيز،سأهمس لك: أيها الحبيب ستبقى العم المدلّل في قلوبنا.
أما أنت أيها العمر، لا أظنك تدرك كم زعّزعت فينا من لحظات، وكم أثقلت علينا في التفكير، ليس خوفاً من تقدمك، بل مايترتب عليه كل يوم يمضي فيك ولا يعود من نُضج جعلنا نفقد بعضاً من إقبالنا على الحياة بجرأة، ونتمسك بكل ما يثبت أقدامنا على أرض صلبة، فعلاً إنه النُضج الذي يجعلنا ننظر للأمور بمنظار مختلف، ونتخذ المواقف بناءً عليه.
اشتقت لأحد المعارف، وهو بالنسبة لي في مقام الأخ الصغير بل أستطيع القول أنه في مقام الأب، وقد أصبح يعيش في مدينة أخرى بحكم العمل والزواج، فعندما عبّرت له عن شوقي لرؤيته ،وعن سبب عدم حضوره إلى جدة ،دهشت من إجابته حيث قال لي : ( بعد أن تزوجت وأنجبت وأيقنت بما أحمله من مسؤولية، أصبحت أهاب الطيران)!
للوهلة الأولى تعجبت من كلامه ، وغضبت من ذلك الشعور الذي انتابه، إنما بعد أن رجعت لقراراتي السابقة منذ أكثر من عشرين عاماً، وما آلت إليه اليوم، أدركت أن من علامات النُضج وزيادة حجم المسؤولية العودة بالقرارات إلى منطقة الراحة، ولا أعتقد أن هذه العودة دائماً مذمومة، فلا ما نع من بعض الحكمة في زحمة ضوضاء العالم حتى نستمتع بالحياة مع من يمنحونا الحياة.