البلاد – أحمد الأحمدي – مرعي عسيري – جدة – نجود النهدي
يؤدي اعتياد الطلاب على نظام معين في الراحة، أو عمليتي النوم والاستيقاظ خلال الإجازات الطويلة والقصيره مثل إجازات الأعياد ومنتصف العام، والطويلة (مثل الإجازة الصيفية) إلى معوقات ومشاكل جمة للوالدين، الذين يركزون جهودهم لتعديل الأوقات وتنظيمها وفق مستجدات الدوام المدرسي. وهذا لسان حال المجتمع مع انطلاق العودة للدراسة؛ إذ يعتبر الآباء أن ضبط الساعة البيولوجية للأبناء من أبرز التحديات التي تواجههم في موسم العودة للمدارس، ويتطلب ذلك جهوداً كبيرة لتعديل الأمور إلى مسارها الصحيح.
أكد الخبراء وعلماء النفس والمتخصصون، أن ضبط الساعة البيولوجية يتصدر قائمة التحديات التي تواجه الميدان التربوي بمختلف فئاته؛ حيث يتطلب الأمر وسائل توعوية ومهارات خاصة من قبل أولياء الأمور، لتغيير النظام العشوائي الذي أصاب معظم الطلبة في عمليتي النوم والاستيقاظ خلال فترة الإجازة؛ بهدف إكسابهم عادات النوم المبكر قبل بداية الدراسة، موضحين أن ثمة 10 خطوات للوالدين تساعد على ضبط الساعة البيولوجية للطلبة.
البداية كانت مع طلاب وطالبات يشكلون الركيزة الأساسية لتلك الإشكالية؛ إذ أكد فيصل بندر من التعليم الجامعي و” غنى مداوي و صبا يعن الله، وخلود بدوي، والطالب عبد الله عبد العزيز مداوي” من مراحل مختلفة، أنهم يعانون عدم القدرة على النوم المبكر، متأثرين بعاداتهم خلال الإجازة، وقالوا بأن محاولتهم لضبط الساعة البيولوجية، تركز على عدم النوم نهاراً، مما يساعدهم على النوم ليلاً، ليتم ضبط عادات النوم والاستيقاظ تدريجياً.
وفي لقاء عدد من أولياء الأمور، أكد محمد سلطان، وناصر يعن الله، وأم عبد الله، ونور آل قيس، معلمة سابقة، على أهمية دور الآباء والأمهات في كبح تلك الظاهرة، ومسؤوليتهم عن ضبط مواعيد نوم الأبناء عقب الإجازة التي امتدت لشهرين، حيث يتم تجهيزهم للنوم مبكراً، وتوفير بيئة منزلية هادئة ومريحة تساعدهم على النوم مبكراً دون أي معوقات، موضحين أن تلك العملية قد تستغرق يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر، لعودة الأبناء إلى حياتهم الطبيعية من حيث النوم والاستيقاظ وتناول الوجبات.
وقالت الدكتورة شهد بدوي أخصائية علم النفس: إن الوقت يتم تعديله بشكل طبيعي مع مرور الأيام، ومع العادة المستمرة لممارسة الأعمال التي يعتاد الجسم على أدائها في وقتها المناسب، موضحة أن تغيير نظام النوم يكون أسرع من المتوقع، ولكن تعديله مرة أخرى يشكل صعوبة بالغة يعانيها الطلبة لأيام؛ بل ولأسابيع من أجل العودة إلى النظام المعتاد.
وأرجعت أسباب إلى اختلال الساعة البيولوجية الذي يعانيه أكثر من خمسة ملايين طالب وطالبة، إلى الفهم الخاطئ للإجازة، حيث ارتبط مفهومها لدى الكثيرين بالسهر الطويل، والنوم والاستيقاظ بلا معايير أو ضوابط، مما أدى إلى خلل كبير في نظام النوم والتغذية. وأفادت بأن انقلاب الساعة البيولوجية يرتبط بالعديد من التحديات الصحية مثل أمراض العصر المزمنة، لا سيما السمنة والسكري من النوع الثاني، الذي ينتشر بسهولة بين فئات الطلبة، إضافة إلى اضطرابات عمل الهرمونات وارتفاع مستويات القلق والتوتر والاكتئاب.
واقترحت 10 خطوات لضبط الساعة البيولوجية، وعلاج الخلل الذي أصاب الطلبة خلال الإجازة، ومنها النوم مبكراً بشكل تدريجي قبل الدراسة، وفتح الستائر ليلاً للسماح بدخول أشعة الشمس للغرفة صباحاً، حتى يتعرض الجسم للضوء ويتمكن من خفض مستوى هرمون النوم في الدم، مشددة على أهمية ضبط الساعة البيولوجية للأبناء قبل انتظام الدراسة، حتى لا تؤثر فيهم سلباً بفقدان التركيز وتشتت الذهن.
رسائل توعوية
ويقول المرشد الطلابي أحمد محمد مناع، الذي يعمل مرشدا طلابيا بإحدى متوسطات مدينة أبها: ندرك أن السهر يحدث خلال شهر رمضان عند أغلب الأسر، ونوم النهار أكثر من الليل، وحتى مع أيام العيد، ولكن حرصنا على بث رسائل توعيه لأولياء الأمور قبل بدء الدراسة، في أهمية تعويد الطلاب على النوم المبكر، وقد وجدنا تجاوبا مميزا، كانت نسبة الغياب طفيفة في اليوم الأول، وعادة اليومين الأوليين يتعود أولياء الأمور، يعودون أبناءهم على النوم المبكر.
وعبر مساعد مدير تعليم رجال ألمع علي محمد آل مضوح عن سعادته بانطلاق الدراسة في محافظة رجال ألمع، وشكر آل مضوح منسوبي ومنسوبات التعليم بالمحافظة على انتظامهم في العمل، وبالتالي الجولات المشجعة للمشرفين والمشرفات على المدارس؛ حيث كانت نسبة الحضور متميزة على غير المتوقع.
الطلاب والموظفون
استشاري الطب النفسي والإرشادي بجامعة أم القرى الدكتور عبد المنان ملا معمور، قال: لا شك أن الساعة البيولوجية وظروفها خلال شهر رمضان المبارك وإجازة العيد، والعودة مرة أخرى للحياة الطبيعية من طلاب أو موظفين أو غيرهم لأعمالهم، هي متغيرات حياة، ولكن الله، عزوجل، ميز الإنسان بعدة خصائص، منها الدوافع الداخلية في نفس الإنسان والتكيف، فالشخص قادر على أن يتوافق مع كل المتغيرات التي تحيط به.
النوم المبكر
من جهته، قال المستشار التعليمي والتربوي نايف عون شرف جساس: لاشك أن بلدنا ينعم بخيرات عديدة، وباعتبار المساحة الكبيرة، وتعدد العادات والتقاليد في الأعياد وممارسة الألعاب الشعبية والسهر إلى وقت متأخر من الليل، خصوصا أن شهر رمضان كان لدى الطلاب والطالبات دراسة، واختبارات في بعض المراحل، فمن المؤمل أن يتعاون أولياء الأمور في التغلب على جانب السهر والاكتفاء بالثلاثة أيام الأولى لمزاولة الأنشطة، وتعويد الأبناء على النوم المبكر والاستيقاظ بهمة وحيوية كبيرة، ونشاط فاعل ليتعود الأبناء على الجدية والعمل الدؤوب ويستشعر الطالب أن أمامه مشوارا طويلا يتطلب منه اليقظة والحيوية لخدمة دينه ووطنه المعطاء ومواكبة التطور، وأن يعي الطلاب والطالبات أن الأعمال المطلوب القيام بها لنهضة بلدنا الحبيب تقوم على سواعد الشباب والشابات، ويجب أن يكون لوزارة التعليم دور فاعل في هذا الجانب بالتعاون مع المحاضرين من الجامعات والخبراء والشركات العملاقة كشركة أرامكو وسابك وغيرها بالتنسيق مع الإدارات العامة للتعليم.
برنامج توعوي
بدوره، أوضح المستشار التربوي والتعليمي عبدالله بن دحيم الدهاس قائلا: للأسف الشديد، الساعة البيولوجية لدى المجتمع السعودي تتغير مع دخول أول ليلة من ليالي الشهر الفضيل وتستمر طوال أيام عيد الفطر؛ ما ينعكس سلبًا على وضع الطلاب والطالبات، خاصة في ظل استمرار الدراسة هذا العام في شهر رمضان وكذلك في الأعوام القادمة، مشيرًا إلى أن العبء الأكبر يقع على كاهل أولياء الأمور في تعويد أبنائهم على النوم، ولو لساعات محدودة في الليل.
وأضاف: تتسبب المناسبات الاجتماعية والولائم التي تقام خلال ليالي العيد في التعود على السهر؛ نظرًا لإقامة هذه الولائم في الفترة المسائية، ما يعزز الشعور لدى صغار السن بضرورة السهر، مشيرًا إلى أن إقامة الولائم في فترة الظهر لتكون وجبة غداء أفضل لتجنب السهر لافتًا إلى أن غالبية الأسر تخصص ساعات الليل خلال أيام العيد كأوقات للخروج والتنزه والذهاب إلى ملاعب وملاهي الأطفال، ما يتسبب في تعويدهم على السهر.
ولفت إلى ضرورة تنفيذ برامج توعوية من قبل المدارس تستهدف أولياء الأمور والطلاب والطالبات على حد سواء لبيان أضرار السهر على النواحي الصحية والجسمانية والتعليمية، مشيرًا إلى أن السهر قد يعود صغار السن على اللامبالاة وعدم الاهتمام، ما ينعكس سلبًا على تحصيلهم الدراسي خلال العام.
خطوات التعديل
الدكتور رجب بن عبد الحكيم بريسالي استشاري الطب النفسي بمستشفى الحرس الوطني ومستشفى حراء العام أكد أن الساعة الحيوية، أو ما يعرف بالساعة البيولوجية تعد من النعم التي لا تعد ولا تحصى لجميع المخلوقات عامة وللإنسان خاصة.
مع تغير نسق الحياة يمكن أن تتأثر تلك الساعة نتيجة السهر وبعض السلوكيات الخاطئة كتناول الغذاء غير الصحي، وعدم ممارسة الرياضة.
ويمكن تعديل الساعة البيولوجية باتباع حزمة من الخطوات؛ منها التقليل من تناول المنبهات قدر الإمكان، والذهاب إلى غرفة النوم من ٢ إلى ٣ ساعات أبكر من الوقت المعتاد، والاستيقاظ المبكر قبل الوقت المعتاد بمعدل ساعة إلى ساعتين ، والتعرض المباشر لأشعة الشمس بعد الاستيقاظ.
وتناول وجبة الإفطار لأهميتها، وممارسة الرياضة وقت الصباح مع شرب الماء بشكل مستمر، والابتعاد عن تناول الأغذية الدسمة والضارة، والتوقف أو التقليل من التدخين.
تقارير مشجعة
أكد الدكتور أحمد العُمري مدير عام تعليم منطقة عسير أننا سعداء جدا بانتظام الطلاب والطالبات في اليوم الأول للدراسة، وكانت التقارير من المشرفين والمشرفات مشجعة جداً؛ حيث قسنا نسبة الغياب فوجدنا أنه لم يصل لعشرين في المائة وحتى المتغيبين أغلبهم من الجنسين، وقدم أولياء أمورهم اعتذارات مبررة من البنين والبنات، واعتمدنا الدوام الصيفي الذي يبدأ الساعة السابعة إلا ربع، وأشكر الزملاء قائدي وقائدات المدارسة انتظام المدارسة وتهيئتها قبل الدوام، وهم أساس النجاح؛ لأنهم الذين في الميدان التربوي.
الأضواء تساعد في الحفاظ على الرتم
الدكتور ريان سعد الصعب – أخصائي طب نفسي قال: إيقاع الساعة البيولوجية عبارة عن دورة مدتها 24 ساعة، تبدأ بالنهوض من السرير ويتم ضبطها بواسطة الضوء والظلام؛ لذا فإن إبقاء أضواء المساء منخفضة وأضواء الصباح ساطعة يساعدان في الحفاظ على رتم الساعة البيولوجية؛ حيث يعتبر الظلام المحفز الرئيس للنوم، فمستوى الميلاتونين يرتفع عندما تنطفئ الأضواء، وفي معظم تاريخ البشرية تطفئ الأضواء عند غروب الشمس، أي حوالي الساعة 6-8 مساءً لكن الآن مع الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية والمصابيح الكهربائية، صرنا ندفع إلى مستويات الميلاتونين إلى الحافة وعواقب ذلك وخيمة لدرجة أن الجمعية الطبية الأمريكية أدرجت ضوء المساء على أنه خطر على الصحة. أما بالنسبة لـ “محرك النوم” فهو القوة التي تتراكم كلما طالت مدة بقائنا مستيقظين. أي حرفياً دواء النوم الطبيعي لجسمك ألا وهو الادينوسين حيث تبدأ مستويات الادينوسين في الارتفاع عندما نستيقظ ويتراكم على مدار اليوم، مما يجعلنا نشعر بالنعاس أكثر فأكثر. فاذا استيقظت مبكرًا وتجنبت القيلولة، فسوف يرتفع الادينوسين لديك، مما يزيد من احتمالية دخولك في النوم في نهاية اليوم. وهذه إحدى الطرق التي يصحح بها الجسم نفسه.