بمشاهدتي للأعداد الكبيرة من المصطافين والسياح الذين يتجوّلون بسعادة غامرة داخل مزرعة الزيتونة بالباحة أدركت تماما أهمية وقيمة السياحة الزراعية وعرض الممارسات والخبرات النموذجية للجميع، وسرّ عشق الناس لها لأنها تربط الإنسان بأصله وتشده للجمال الطبيعي الفتّان.
ومزرعة الزيتونة تمثل أحد أهم المواقع الجميلة في المنطقة. فهي ليست مجرد مزرعة عادية ولكنها أنموذج زراعي وسياحي رائع، فقد تعامل معها مالكها استشاري العيون المعروف الدكتور صالح عباس كما يتعامل مع العيون فحوّلها بذكاء إلى عيون زراعية ساحرة بلمسات الإبداع خلال أكثر من عقدين من الزمن، وجعل منها منتجاً سياحياً رائداً في السياحة الزراعية على مستوى المنطقة. وقد سمّاها باسم أهم منتجاتها وهو الزيتون الذي تزيد أشجاره عن 4000 شجرة وزاد على ذلك بأعداد من الأشجار الأخرى المثمرة التي تتميّز بها المنطقة وكذا الأشجار النادرة والنباتات العطرية الجميلة وغيرها تتمايل أغصانها ويفوح شذاها فوق عشرات المدرجات الجبلية التي عملت باحترافية .. كان من أهم نتائجها إقامة مصائد الماء لتشكل مصدر سقيا للأشجار طوال العام.
وهناك يشاهِد الزائر أشياء ربما لم يعرفها من قبل كالزراعة البعلية لمحصول الشعير وإنتاج الفراولة عن طريق الزراعة المائية، ويعيش لحظات المتعة وهو يدخل حديقة الطيور الملونة والعصافير الجميلة ويسعد وهو يقف إلى جانب أحواض تربية الأسماك وأماكن تربية الدواجن ويبتهج عند مروره على إسطبلات الخيول التي يمتطيها محبوها للتجوّل داخل جنبات المزرعة لمن يفضلها عن ركوب العربات المعدة لهذا الغرض. وتزيد الدهشة وهم يلِجأون إلى الكهف داخل الجبل الصخري المنحوت ببراعة فائقة.
وليس بعيداً عنه مناحل لإنتاج أطيب العسل الطبيعي، والجولة داخل هذه المزرعة تطيب بمشاهدة الشّلال الجميل وتطرب الآذان بصوت انسياب الماء مع تغريد العصافير من حوله أمام المباني الرائعة ومنها المسجد الحجري والمئذنة بدرجاتها اللولبية التي يرتقيها من أراد أن يعرف طريقة إيصال الأذان للصلاة قديماً وجميعها تحمل طابع الطراز المعماري المتميز لمباني المنطقة القديمة عملت بمهارة عالية وإتقان جيد في بنائها القوي وزخارفها التقليدية المطرزة بأحجار المرو الأبيض! وأمام تلك المباني وتحت ظلال الأشجار تقدم وجبات الإفطار الشهي من منتجات المزرعة مع خبز التنور الذي يعد في ذات اللحظة. وهناك يلقى محبو الرياضة من الشباب ملاعب مزروعة ومهيأة بشكل جيد كما يجد الصغار أيضاً متعتهم بالألعاب المتناسبة مع أعمارهم في ملاعب آمنة.
ولعل الجميل حرص مالكها على إيجاد معصرة خاصة بالزيتون لخدمة مزارعي المنطقة ومركز لأبحاث الزيتون بالتعاون مع كرسي العنقري بجامعة الباحة ومع جمعية الزيتون. وكذلك حرصه على إقامة قاعات خاصة مجهزة للاجتماعات والمؤتمرات ولديه أفكار تطويرية أخرى ستشهدها الزيتونة في قادم الأيام. والأجمل أنها أصبحت مكاناً للترفيه والتعليم والاسترخاء والرياضة والتسوق والمتعة البصرية والنفسية، تستقبل العديد من الأمراء والوزراء وكبار المسؤولين والمواطنين بشكل دائم استحقت معه بكل تفاصيلها الرائعة أن تحصل على جائزة الحسام للتميز في مجال المبادرات الزراعية وهي جديرة بذلك دون شك.
alnasser1956@hotmail.com