يقول المولى عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ …صدق الله العظيم
اعتقد أن الفاسق الأكبر في أيامنا المعاصرة ، هو الانترنيت وما يبثه لنا من رسائل الكترونية ومسجات صوتية وفيديوهات مرئية ،لم يتم التأكد من صحتها ولا التثبت من براءة مرسلها ، اقتحمت حياتنا بين ليلة وضحاها ، فشوشت على وداعتنا وأزعجت سكينتنا .
لقد روت لي إحداهن أنها خسرت أعز صديقة لها بسبب رسالة تهنئة الكترونية خرجت من هاتفها الذكي واستقرت في هاتف زوج تلك الصديقة التي قرأت الرسالة وغضبت كثيراً منها ، لأن رقم هاتف زوجها مدون في ذاكرة جوالها من غير علمها ، وأنه من غير اللائق أن تراسله خفية بعيداً عن أنظارها ، ولكن ومن خلال السبر في عالم هذه التكنولوجيا الجائرة ، تبين أن الواتس آب الذي تسبب في خصام هاتين الصديقتين المغدورتين، جاء نتيجة لمكالمة هاتفية سابقة جرت بين الصديقة المزعومة التي نسيت أنها استخدمت هاتف زوجها المتنازع عليه لتتحدث منه مع صديقتها المكلومة التي سرعان ما حفظت بياناته كرقم إضافي من غير أن تسأل عن اسم مالكه الأصلي ، ثم سجلته ضمن قائمة قروبات الـ Broadcast Lists الذي سترسل منه لاحقاً رسائل التهنئة في المناسبات والأعياد ..
لقد وقعنا في احراج مع الأصدقاء بسبب مواقع الدردشات والتواصل الاجتماعي ، فبالكاد بتنا نسمع عن واجب التزاور بين الأهل والأصدقاء ، وصار الواحد منا يميل إلى الانطوائية والابتعاد عن اللقاءات الشخصية مفضلاً التحاور مع الناس افتراضياً حيث لا تألق في الحضور ولا حيوية في المكان . وإذا صادف والتقى بمن كان يوده ويعرفه ، يبدأ بمعاتبته على التقصير في الرد على رسائله الالكترونية ، مدعياً أنه كثيراً ما كان يشاهد ظهوره على النت ( on line ) ، ولكن نادراً ما كان الآخر يستجيب لنداءاته ..
أهكذا سنستمر في تسطيح ثقافتنا وإضعاف دور العلاقات العامة فيما بيننا ؟! الصداقة الحقيقية هي ما تكنه لأصحابك من مشاعر حب وألفة واحترام ، وما تتشوق لرؤيتهم وهم على الدوام في أفضل صحة وأحسن حال ، وقطعاً ليس لمؤثرات التكنولوجيا الحديثة أي شأن فيها ، فمن الظلم أن نفقد صديقاً كنا نشاركه همومه في أحلك الظروف ونتفانى في الاخلاص له على طول الأيام ، وفجأة وبدون مقدمات ، ولأسباب تقنية واهية تحصل القطيعة معه ويتم الفراق ، فيفسح المجال بعدها ، للشامتين أن تسرح بمصائب الآخرين ، وللعابثين اللعب في قضايا الشرف والدين.