لإيضاح خطورة تزايد عدد الميكروبات المقاوِمة، نضرب مثالًا.. مع تطور الأبحاث الخاصة بإنتاج مضادات جديدة للحيوية يصبح لدينا عدة أجيال من هذه المضادات، الجيل التالى تكون له خصائص لا تتوفر في الجيل السابق، كأن يكون قابلا للتعاطى عن طريق الفم، أو طويل المفعول، أو تزيد سعة طيفه العلاجى. وعليه فالمفروض أن لا يتم استخدام الأجيال التالية إلا إذا كانت هناك حاجة لا يمكن علاجها باستعمال الجيل السابق، ولكن الأطباء أحيانًا يسارعون إلى استبدال الجيل الجديد بالجيل القديم؛ لضمان الفاعلية ودونما حاجة حقيقية، وحيث ظهر أن الكائنات الحية الدقيقة تحدث لديها تغيرات جينية تقاوم المضادات التي تم استعمالها، فإننا هنا نجد سلالات من الميكروبات تقاوم الأجيال السابقة واللاحقة من مضادات الميكروبات، وبدلًا من استخدام الأجيال الجديدة كخط دفاع ثان ضد الميكروبات نخسر الجيل القديم والجيل الحديث معًا، وذلك بنشوء سلالات من الميكروبات تقاوم الاثنين كليهما. وتكون النتيجة خسارة مضاعفة.
أجريت دراسات مسحية على عقارات السيكلوسبورينات، بينت أن نسبة المقاومة للجيل الثالت منها تصل إلى ما يقارب خمسين في المائة من أنواع البكتيريا، التي كان يمكن القضاء عليها سابقًا بهذا العقار. الخبراء في هذا المجال يحذرون من أن البشرية قد تعود قريبًا إلى مرحلة ما قبل اكتشاف مضادات الحيوية، وهذه مسألة خطيرة جدًًا على مستقبل البشر. قاعدة المعلومات الحالية تظهر وجود حوالى عشرين ألف جين من أربعمائة نوع قابلة لإنتاج ميكروبات مقاوِمة.
وقد ظهرت أنواع من الميكروبات قادرة على مقاومة عدة أنواع من المضادات في نفس الوقت، وأصبح يطلق عليها الجراثيم السوبر على وزن السوبر ماركت، وينشأ عنها الكثير من الوفيات والعاهات الدائمة، وسبب ذلك هو قدرتها على التحور في طفرات متعددة تكسبها مقاومةً لعدة أنواع من العلاجات، التى كانت قادرة على إنهائها في السابق، ما يقلل من الخيارات العلاجية المتاحة، ويتسبب في تطاول فترة العلاج داخل المستشفيات، وما يترتب على ذلك من خسائر مادية. كما أن بعض هذه الميكروبات تكتسب ضراوة أشد وقدرة أوسع على الانتشار. ميكروب السل( الدرن) يشكل مثالًا نموذجيًا لهذا النوع من الميكروبات، وقد تحور مع نشوء البشرية، ويعتقد أن ثلث سكان الأرض لديهم ميكروباته القابلة لإحداث المرض، وعندما وفق الله تعالى لاكتشاف عقارات إذا أعطيت مع بعضها البعض، يمكن تجاوز الكثير من حالات الدرن التي كانت مميتة سابقًا، وعادة ما يُضرب المثل بجورج أورويل مؤلف رواية (١٩٨٤) الذي كان أحد ضحايا الدرن. وللأسف ظهرت سلالات مقاومة للعلاج من ميكروب الدرن سريعًا، فقد كان اجتماع اثنين من العقارات في نفس الوقت كافيًا، ولكنها أصبحنا في حاجة إلى استعمال ثلاثة عقارات وأحيانًا أربع في نفس الوقت للتغلب على هذا الميكروب. هذا الكوكتيل من الأدوية حقق نجاحًا كبيرًا في السابق، ولكن لا زالت تظهر سلالات مقاوِمة لجميع هذه العقارات، الأمر الذي أضعف إمكانياتنا الدوائية لعلاج الدرن، وفي العقد الماضى انتشرت هذه السلالات شديدة الفاعلية عبر العالم..(يتبع).
SalehElshehry@
