تبلغ “جستن”، وهي جمعية علمية للعلوم التربوية والنفسية مقرها جامعة الملك سعود، اليوم أكثر من 37 عاماً وهو عمرٌ ليس بالقليل. غير إن أثرها المجتمعي قد يكون مازال محدوداً بالنظر إلى أنها جمعية علمية هدفها الأول حوكمة ونشر أبحاث أعضاء هيئة التدريس المختصين في مجالها للحصول على ترقيات علمية. غير إن “جستن” التي تقدم نفسها برسالة تقول فيها: “إنها تسعى لأن تكون ملتقى المختصين في العلوم التربوية والنفسية لتقديم الخدمات والاستشارات العلمية للمجتمع ولمؤسساته التربوية من أجل النهوض بالتربية والتعليم وتحسين نوعية الحياة لجميع أفراد المجتمع”.
وهي رسالة عظيمة ينقصها التحقُقُ على أرض الواقع. كما إنه هدف تسعى إليه “جستن” كغيرها من 56 جمعية تقع تحت مظلة جامعة الملك سعود، وقد يكون هناك نفس العدد في كل جامعات المملكة.
ما لفت النظر أن “جستن” لديها فروع في كليات التربية في عدد من جامعات المملكة وهو انتشار جميل تعوزه الإمكانيات المادية والأثر والتأثير المجتمعي، والمال هو عصب الحياة في كل نشاط.
روى أحد أقدم مؤسسي جمعية “جستن” أنهم احتاجوا دعماً مالياً فكتبوا لإحدى الشركات الكبرى يشرحون حاجة الجمعية لدعم الشركات التجارية غير إنهم تلقوا شيكاً بخمسة آلاف ريال فقط وهو ما أغضب رئيس الجمعية فردّ عليهم مبدياً عتبه من دعم زهيد تقدمه شركة كبيرة..
وهنا مناط الحديث في هذا المقال وهو ما تعانيه كل الجمعيات العلمية منها والأهلية من تضاؤل المداخيل المالية اللازمة لاستمرار عمل هذه المنظمات وديمومة بقائها، ذلك أن الملاحظ أن ما تحصل عليه الجمعيات من دعم مالي يكون بجهد رئيسها وعلاقاته ويأتي مجاملة له من رجال الأعمال ومن منظمات البلد التجارية، ثم إذا انتهت مدة هذا الرئيس ،توقف الدعم.
من هنا تجيء الحاجة إلى مورد مالي مستمر لمثل هذه المنظمات، وهو ما يفتح باباً كبيراً لتوسيع فكرة الوقف في مجتمعنا.
فالملاحظ أن الأوقاف في هذا البلد مازالت مجالاتها تنحصر في خدمات محدودة جداً يغلب عليها بناء مساجد، ولم يمتد الفكر الوقفي حتى إلى مجال مهم وهو الوقف العلمي كعملية مستمرة طالما بقيت هناك حياة على وجه الأرض، والوقف البحثي.
وفي دول العالم المتقدمة هناك جامعات مرموقة قامت ومازالت على فكرة الوقف، ومثال ذلك في المملكة هناك مشروعات ضخمة تقوم على فكرة الوقف، يحضر للذهن منها جامعة سليمان الراجحي في البكيرية بالقصيم، وكذا مشروعات شركة الوطنية الزراعية التي تم وقفها بالكامل. أيضاً مركز صالح الراجحي لمعالجة الاعتلال السكري في العين في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون.
إننا مدعوون للتفكير ملياً في التخلي عن مقولة “قطاع غير ربحي” ذلك أن كل نشاط يفترض أن يحقق قدراً من الربح يضمن استمراره وديمومة حياته، حتى الأوقاف إن لم تحقق ربحاً يضمن ديمومة عملها، واستمرار نفعها فإنها تؤول إلى الاندثار والزوال بعد زمن يسير.
إن إدارة الأوقاف بطريقة تضمن استمرار عملها وديمومة نفعها ،أمرٌ يتعين الاهتمام به من قبل الواقف نفسه ومن نُظار الوقف ومدرائه.
إن تحقيق الوقف ربحاً تشغيلياً ليس عيباً بل العيب أن يضع أحدهم وقفاً ويبذل فيه مالاً كثيراً ثم بعد سنوات قليلة يتوقف النفع والانتفاع من هذا الوقف لأن أموال تشغيله نضبت، وموارده المالية توقفت.
ومن هنا فإن “جستن gesten” وغيرها من الجمعيات العلمية والأهلية والمجالس الإشرافية عليها مدعوة لأن تنطلق من فكرة الدعم المنقطع إلى فكرة الوقف المستمر، كما إنها مدعوة لأن تصمم نماذج وقفية تحمل أسماء من دفعوا الأموال في سبيلها فيما نفعها وريعها يعود لتشغيل الجمعيات على أن يقع كل ذلك ضمن نظام دقيق للحوكمة المالية والإدارية. نظامُ حوكمة يحول دون تسلل أي خلل إداري أو فساد مالي، أو صرف أموالٍ لا يُعرفُ أين ذهبت. والله أعلم.
ogaily_wass@