الكتابة عن سيدة الغناء العربي أم كلثوم، مهمة شاقة ومرهقة وتحتاج الى حرص شديد وأمانة مهنية وعلمية قصوى تليق بموهبتها وشخصيتها ومقامها داخل وجدان الشعوب العربية جميعاً، لذلك أرى أن الكتابة عن الأسطورة أم كلثوم ببضع كلمات في مقال، هو إختزال وظلم شديد غير محمود لتلك السيدة العبقرية رفيعة المقام،والتي وهبت حياتها وعاشت في محراب الفن طوال عقود، وهي التي سطرت عنها مئات الكتب حول العالم تشيد بظاهرة أم كلثوم، حيث أنني أرى أن سر تألقها للغناء في العالم، أنها استطاعت بشخصيتها الفذّة أن تجمع بين ميزتين: العبقرية والأسطورة.
شخصيتها العبقرية تتجلّى في ذكائها الإستثنائي وقدراتها الفائقة في الغناء لساعات طوال بحنجرتها الذهبية، التي استطاعت أن تدخل من خلالها إلى وجدان وقلوب وعقول وأحاسيس سامعيها، وبإمكانات هائلة من العطاء الإنساني والفني والغنائي الذي يضيف إلى اللحن والكلمات والمعني أبعادا جديدة لا حدود لها، وتتميز شخصيتها العبقرية بإسهاماتها في المسارات والأحداث التاريخية والفنية والمواقف الوطنية،ولديها قبول شديد لمجاراة العصر الذي تعيش فيه من خلال التجديد والتطوير والإبتكار الفني والموسيقي، وذلك من خلال إرتجالاتها الغنائية وقبولها دخول الآلات الموسيقية الحديثة والمطورة الى الألحان التي تشدو بها، وذلك بعد دراسة وفهم عميقين لإستيعاب التجديد والنقلات الفنية.
أمّا شخصيتها الأسطورية،هي تتوهَّج وتزداد لمعاناً بقوة سحرها وجاذبيتها وشموخها وهي تقف على المسرح وتغلِّف المكان بنظراتها المتمعِّنة، وحركاتها وسكناتها ومظهرها الذي يشكّل إنعكاساً لقيّمها وتقاليدها وانضباطها الحياتي الدقيق.
هذا إلى جانب إحترامها لجمهورها ومجتمعها من خلال تاريخ فنها الذي شمل جميع الأبعاد الرومانسية والوطنية والإجتماعية،وقدرتها الفائقة على غناء القصائد الشعرية والعامية بفهم عميق للكلمة والمعني، ممّا ساهم في نشر القصيدة الشعرية وإستمزاج كلماتها ومعانيها وتطويع موسيقاها بين العامة من الناس.
لذلك كله،فإن أم كلثوم أسطورة بقدرات عبقرية لم يتكرر مثلها.