اجتماعية مقالات الكتاب

حسن التعامل (1-2)

هل تفكرتَ يوما فسألتَ نفسك: كيف وصلَنا الإسلامُ بكلِّ ما فيه من الأصولِ والفروعِ، والأقوالِ والأعمالِ، وجليلِ المسائل ودقيقِها؟
كيف وصلنا ذلك كلُّه غضّاً طريّاً كما أُنزل، وبيننا وبين بَدْءِ الإسلامِ تلك القرونُ الغابرة؟

نعم! لقد انقطعت النبوةُ قبل أربعةَ عشرَ قرناً من الزمان، ولكنّ ميراثَها ظل محمولاً على أكتافِ الأبطال، منتظماً في سلاسلِ الأجيال. أبطالٌ حملوا هذا الدين، فتعاهدوا على حفظِه، وتعاضدوا على نقلِه، وجاهدوا في الدعوةِ إليه. فأثمرت جهودُهم استمرارَ المسيرة، وترابطَ السلسلة، وانتشارَ دعوةِ الإسلام، ممتدةً على مرِّ الأجيال، متغلغلةً في كلِّ أنحاءِ البلدان.

واليوم يأتي الدورُ علينا في السلسلةِ، لنستلم َالأمانةَ، ونحمِلَ التبعةَ، فننقلَ الميراثَ لمن بعدنا، كما استلمناه ممّن كان قبلَنا.
إن الدعوةَ إلى الله هي سمةُ المسلمين، وسبيلُ أتباعِ سيدِ المرسلين. قال الله سبحانه ملقناً نبيَّه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي). فسبيلُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وسبيلُ أتباعِه هو الدعوةُ إلى الله. سبيلٌ يسلكونه ولا يفارقونه، فيَصبِغُون به حياتَهم، ويعمُرُون به أوقاتَهم وأيامَهم.

أعظمُ وظيفةٍ تتشرفُ بالانتسابِ إليها هي وظيفةُ الدعوةِ إلى الله، إذ هي وظيفةُ الأنبياءِ والمرسلين، فهم أكثرُ الناسِ أجرا، وأسرعُهم ترقيةً، وأعلاهم منصباً، عند ربِّ الناسِ لا عندَ الناس. الدعاةُ عاملون لله، مهمتُهم هي نشرُ دينِه، وإعلاءُ كلمتِه، ولذا كانت كلمةُ الأنبياءِ الموحدةُ لأقوامِهم: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) وكيف لا يكون الدعاةُ أكثرُ الناسِ أجرا وهم يحملون أجورَهم، وأجورَ من تبعهم في دعوتِهم إلى الخير، في حياتِهم وبعد مماتِهم؟

كم من كافرٍ دخل في دين اللهِ بدعوتِهم؟ وكم من منغمسٍ في المعاصي، سلك طريقَ الطاعةِ بوعظِهم؟ فكل ما يعملون بعد ذلك فهو في ميزانِ من دعوهم إلى ذلك الهدى.

إن كنوزَ الدنيا كلَّها لا تعدل أجرَ الدعاة ولا قريباً منه. حين أعطى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرايةَ لعليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه لفتحِ خيبرَ -التي كانت موطنَ دسائسِ اليهودِ ومؤامراتِهم على الإسلام- قال له: (، فَواللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ). وحُمْرُ النَّعَمِ هي من الإبلِ المحمودةِ التي كانت من أنفسِ أموالِ العرب. فهدايةُ رجلٍ واحدٍ أفضلُ من أنفسِ الأموال وأثمنِها.

من الناس من يتكلمُ لرفعِ جاهه، ومنهم يتكلم ليُسَوِّقَ تجارتَه، وأما الداعي إلى الله فكلامُه إعلاءٌ لكلمةِ الله، وبضاعتُه هي دينُ الله، عليها ينادي، وعنها ينافح، ولها يُسَوِّق، وبها يربح، فلا قولَ أحسنُ من قوله (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
يتبع ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *