قضية

العالم الرقمي يفصل الأطفال عن الواقع.. مختصون لـ«البلاد»: الحوار الأسري.. حل سحري لعزلة الأبناء

جدة – ياسر خليل

أصبح معظم الأبناء منعزلين عن محيطهم الأسري والاجتماعي؛ بسبب هيمنة التقنيات والنمو التكنولوجي؛ إذ يقضون جل وقتهم في فضاء العالم الرقمي، ما أفقدهم الكثير في جانب التواصل الاجتماعي والأسري، بينما يؤكد مختصون لـ”البلاد” أن مسؤولية الوالدين كبيرة في المحافظة على العلاقة الاجتماعيه داخل محيط الأسرة، مع ضرورة فتح باب الحوار مع الأبناء، وتقنين علاقتهم بالعالم الافتراضي، حتى لا يجدوا في العالم الخيالي ما يشبع عاطفتهم.

ويقول أستاذ الصحة العامة استشاري طب الأسرة والمجتمع البروفيسور توفيق أحمد خوجة: التكنولوجيا أصبحت حولنا في كل مكان، ولا يمكننا تخيل الحياة بدونها، فقد أحدثت تغيراً إيجابياً وسلبياً ملحوظاً في العالم، وأصبحت جزءاً أساسياً من حياتنا، نعتمد عليها بشكل كبير في عدة مجالات، مبينا أن علاقة الأطفال بالتكنولوجيا أصبحت أمراً مألوفاً ومسلماً به، لكن للأسف زادت في الفترة الأخيرة شكاوي الكثير من الأسر من عزلة أبنائهم؛ بسبب الأجهزة الإلكترونية، لدرجة أنهم أصبحوا بعيدين كل البعد عن الأسرة؛ لذا يجب أن تكون علاقة الوالدين مع الأبناء قوية حتى تكون الأسرة قريبة من بعضها.

وأكد البروفيسور خوجة أن الأجهزة التكنولوجية تأخذ مساحة كبيرة من حياة وتفاصيل الأطفال؛ إذ يقضون ساعات طويلة من أوقاتهم أمامها دون كلل أو ملل، يدخلون عالمها لينعزلوا عن محيطهم، وكأنهم لا يشعرون بانسجام وفرح وتواصل إلا من خلالها، فهذه الأجهزة أصبحت رغبة الأطفال الأولى والأخيرة، أما الأهالي فأصبحوا يدركون جيدًا الأضرار الكثيرة التي تتركها تلك الأجهزة على الأطفال، وبالوقت ذاته يجدون صعوبة بالسيطرة عليهم وحرمانهم منها، مع غياب الرقابة الدائمة؛ لذا من المهم التوعية بمخاطر الأجهزة الإلكترونية على الأطفال، وتقنين استخدامهم لها، والتركيز على الحاجة للتواصل مع البيئة المحيطة لضمان نموه وتطوره بالشكل الطبيعي.


أما استشاري طب الأسرة والمجتمع الدكتور محمد بكر صالح قانديه، فيقول: الأطفال الذين يقضون وقتاً طويلاً مع الأجهزة، يصبح دورهم غير فاعل في الأسرة؛ إذ إنهم لا يشاركون ولا يتفاعلون معها، وبالتالي تضعف علاقتهم بمفهوم الأسرة، فالاستخدام المتزايد للتكنولوجيا قد يزيد من سمات العزلة والوحدة وقلة التواصل مع الآخرين، فكثير من الدراسات أثبتت أن أطفالنا يعيشون جهلاً اجتماعياً؛ نتيجة العزلة التي نتجت عن إدمانهم على الأجهزة.


ونوه د. قانديه إلى أن الدراسات كشفت العديد من الانعكاسات الناتجة عن تأثير التكنولوجيا على الأبناء؛ وهي:
مساهمتها في العزلة الاجتماعية والانطواء وزيادة صفات الوحدة وقلة التواصل مع المحيط، وتأثيرها على وظائف الدماغ والمخ والذاكرة؛ بسبب جلوس الطفل لساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر أو الموبايل، فيصاب الدماغ بالخمول والاجهاد والكسل الفكري والجسدي، كما تسبب أجهزة التكنولوجيا الحديثة أمراض؛ مثل الصداع والإجهاد والتعب، كما أن جلوس الطفل لساعات طويلة أمام التلفاز يسبب له الهذيان، ويشعره بالخوف من الاختلاط مع الأصدقاء، وبجانب ذلك حدوث مشاكل في العين؛ إذ أثبتت الدراسات أن أكثر من 90 % من الأطفال الذين يستخدمون الحواسيب والهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية يعانون من مشاكل في العين، بالإضافة إلى الميول نحو العنف والعدوان فألعاب الحروب والصراعات لها آثار سلوكية خطيرة جداً؛ حيث تعزز ميول العنف والعدوان عند الأطفال، حيث تبيّن أن لها تأثيرًا كبيرًا عليهم؛ نظراً لأنها تتصف بصفة تفاعلية بينها وبين الطفل، بجانب حدوث اضطرابات في النوم، كما أن الاستخدام الخاطئ للأجهزة التكنولوجية يسبب اضطرابات في النوم والفشل في الحياة الخاصة وفي الدراسة، فضلاً عن التوتر الاجتماعي وعدم القدرة على التفكير الحر وانحسار الإرادة والعزيمة لدى الطفل.


من جانبه، يقول استشاري طب الأطفال نصر الدين الشريف: تعتبر الأسرة مؤسسة اجتماعية أصيلة في التنشئة الاجتماعية للأبناء، فهي الخلية والنواة الأولى التي تتولى عمليات بناء وتحصين المجتمع وحفظه من التفكك، من خلال ممارساتها للسلطة الأبوية، ومسؤولياتها الاجتماعية الطبيعية عن تربية الأطفال، وغرس فيهم القيم التي تتفق مع المنظومة الاجتماعية والأخلاقية  السائدة، وأنه في ظل طفرة التطور التكنولوجي الذي دخل كل بيت وصار جزءاً من متطلبات الحياة اليومية، يجب على الأسرة التعامل مع هذا التطور التكنولوجي بصوره وأدواته المتعددة، من أجهزة الكترونية إلى أجهزة الهواتف الذكية، وذلك بادراك تأثيراتها السلبية على الأطفال وسبل الحد منها.
وأكد الشريف إنه بخلاف غياب التواصل الاجتماعي بين الأبناء والأسرة؛ بسبب التقنيات فإن قضاء الأطفال فترات طويلة أمام الشاشات يجعلهم يكتسبون عادات في بناء شخصيتهم وتنمية أفكارهم السلبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *