اجتماعية مقالات الكتاب

مقال من لا مقال له

إنها نعمة: أن تكون لديك القدرة على صبّ مشاعرك المختلفة على صفحات بيضاء، تبثّها كل مكنونات النفس والعقل، وتشاركها آراءك مهّما بلغت من جنون أو عقلانية. نعمة : أن تثور وتنفعل وتغضب ثم تهدأ وتستقر وتشعر بالراحة وأنت تمسك بالقلم أو تضرب بأصابع يدك على لوحة بلاستيكية وكأنك تعاقبها على ما تشعر به، وبدورها تتحمل ذلك الرقع في انتظار هدوء العاصفة التي ستهدأ لا محالة.

شعور جميل: أن تجد صدى لحديثك المبثوث عبر وريقاتك عندما يقرأها الآخرون، ثم يردِّدوا على مسامعك :” لقد عبّرت عن شعورنا وعن ما كنّا نتمنى أن ننقله لمن حولنا “.

هذه هي قمة سعادة الكاتب عندما يكون متجولاً في قلب كل قارئ وعقله، ينفّس عن ما يختلج في نفوسهم ويترجمها كلمات قد يكونوا عاجزين عن البوح بها، فتكون أنت صوتهم الذي عجز عن الظهور، إنما السؤال الذي يجول في خاطري : ماذا أفعل عندما أعجز عن التعبير بما في داخلي أنا؟ وهي حالة تصيبنا جميعاً مهّما بلغنا من الفصاحة والبلاغة وحُسن الإلقاء، هناك لحظة تتوقف فيها كل تلك المهارات والإمكانيات فنبحث عمّن يقوم مقامنا ويرفع عنّا.

في إحدى المرّات سألت صديقة لي وهي مستشار في الطب النفسي :بكل القدرات التي تملكينها والتي تجعلنا نُخرج ما في دواخ لنا من تعب وألعب، ثم نصبح أكثر راحة وقدرة على وضع حلول لمشاكلنا، ما الذي تفعلين أنتِ إذا انتابك ما ينتابنا ورغبتي في إيجاد من يسمعك؟
ابتسمت لي وكأنها وضعت يدها على موطن حيرتي:
بسيطة، أبحث عن طبيب نفسي ماهر أبوح عنده بكل ما يجول في خاطري وأخرج أكثر راحة ممّا كنت عليه قبل ذهابي له.
ألا تشعرين بأنك بذلك التصرف تعلنين للملأ أنك شخص لا يستطيع التعامل مع ضعفه على الرغم من أنك تتعاملين مع عملاءك بما تشكين منه؟

وكأنها فهمت ما أرمي إليه وأجابت:
من المهم أن تعلمي أن طلب العون في الأمور التي تبرعين فيها ، ليس انتقاصاً منك، هي حاجة، والحاجات تقضى باللجوء إلى من يقدّمها.
أنا طبيبة نفسية تعلمت أن أقضي حوائج الناس فيما أبرع، هذا لا ينفي إنسانيتي وأنني أحتاج لمن يستمع لي ويقضي حوائجي.
هل تقصدين بقولك أنني يجب أن أبحث عن كاتب آخر يكتب نيابة عني؟
لا، بل أقصد أبحثي عمّن يعبّر عن شعورك في صفحات الكتب وأقلام الكتاب وكلمات الملهمين وغيرهم.
وكان للحديث بقية.

“كل ميسّر لما خلق له” ،إيماناً بهذه القاعدة ، تعلمت أن كل صعب مرّ بي ،لا يتجاوز قدرتي على الصبر عليه. وأن الإستطاعة مقرونة بالمقدرة، وأننا بين الحين والآخر نحتاج أن نجد من نُخرج أمامه أسوأ ما فينا ، ليخبرنا بأجمل ما فينا، فنعلم أنها ليست النهاية، وأننا نمرّ بمرحلة ثَقل جديدة تجعل منّا أشخاصاً أقوى وأقدر على تحمُّل ما نستطيعه مما كنّا نظن أننا لا نستطيعه.

eman_bajunaid@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *