“النجاح قد يتوقَّف على شركائك في الحياة ، والشخصيات السامّة يمكن أن تعيق طريقك”, هذه كانت نصيحة رجل الأعمال البليونيرالأمريكي الشهير تشارلي مونغر الذي توفي الثلاثاء قبل الماضي عن عمر ناهز ال 99 عاماً بعد حياة حافلة بالعطاء.
تشارلي مونغر هو الحكيم وعبقري الإستثمار، وهو الصديق الوفي للبليونير الأمريكي الشهير وارن بافيت ، الذي كان له تأثير إيجابي كبير عليه ، إذْ كان ذراعه الأيمن والرجل الثاني كنائب رئيس مجلس الإدارة في شركته بيركشايرهاثاواي.
تشارلي مونغر،بلا شك واحد من أعظم العقول في القرن العشرين ، وشخصياً كنت أحرص كثيراً على مشاهدة مقاطع و قراءة كل ما يتعلق بهذا الرجل في مجال الإستثمار وفي الأمور الحياتية، وتحليل السلوك البشري الذي يؤثر على اتخاذ القرار.
وبعيداً عن الحديث عن الجانب الإستثماري في حياته، حيث لا يتسع مقال أو كتاب لتسّليط الضوء عليه بشكل مُنصف، أركِّز هنا فقط على بعض الفلسفات الحياتية لهذا الرجل ،والذي لديه حِكم مُميَّزة إكتسبها من واقع تجربة طويلة، ونظرة ثاقبة للحياة تستحق أن تُدَرَّس.
الحكمة تُولد من رحم المعاناة أو هكذا قالوا ، فلقد كان تشارلي واحداً ممّن واجهوا تحدّيات جمّة في بداية حياتهم ، حيث فقد منزله في عمر مبكِّر بعد أن فقد زوجته في قضية طلاق ،وأُصيب إبنه الصغير بالسرطان وتوفي بسبب ذلك، وفقد كل أمواله التي جمعها آنذاك بسبب فواتيره العلاجية ، وفي مرحلة من حياته، فقد بصره في إحدى عينيه بسبب خطأ طبي.
إن من يواجه مثل هذه الضغوط ،عادةً مايستسلم للقدر ،ويندب حظه العاثر ،بل قد يتجه إلى المخدرات والخمور في محاولة للهروب من واقعه ، ولكن تشارلي لم يستسلم أبداً لجلد الذات ونَدب حظه العاثر، بل نهض واستمر ،وعوضاً عن جلد الذات والتذمُّر ، بدأ في تعلم لغة البرايل كيلا يفقد بصره كاملاً لأنه كان شغوفاً بالقراءة.
كانت فلسفة تشارلي في المواجهة، أن الحياة مليئة بالصعوبات وبالضربات القاتلة، وأن الشفقة على النفس ونَدب الحظ ، هما تصرفان كارثيان ، وأن استغلال تلك الصعوبات والضربات القوية بطريقة بنَّاءة ،هي الخطوة الصحيحة، والفرصة الذهبية للتعلُّم أيضاً ،علماً بأن هناك -للأسف- من ينكسر ويستسلم عند أول تحدٍّ أو صعوبة تواجهه، سواء كانت في حياته الشخصية أو العملية.
من الحِكم الرائعة أيضاً التي استفدت منها كثيراً ، هو تحّديد دائرة الإختصاص واستخدام معرفتنا بها ، والإبتعاد عن الأشياء التي لا نفهمها ، وأن تجنُّب الغباء أسهل من طلب الذكاء. هنا تحضرني إحدى مقولات تشارلي الشهيرة :”يحاول الناس أن يكونوا أذكياء، كل ما أحاول فعله هو ألا أكون غبياً، لكن الأمر أصعب ممّا يعتقده معظم الناس.” كما تحضرني مقولته الأخرى :(القراءة ..ثم القراءة ..ثم القراءة ) ، إحدى أهم نصائحه للجيل الجديد، ذلك أن القراءة والتعلم مدى الحياة، جزءان لايتجزاءن من النجاح على المدى الطويل.
وأحد أهم الحِكم التي أؤمن بها وقالها تشارلي: “أحاول التخلُّص من الأشخاص الذين يجيبون دائماً بثقة على الأسئلة التي ليس لديهم أي معرفة حقيقية عنها.”
كما شدَّد على أهمية تجنُّب الأشخاص السامِّين والسلبيين الذين تمتلئ حياتهم بالحسد والرغبة في الإنتقام ،لأنهم لا يجلبون سوى التعاسة والدمار، وأن إخراجهم من دائرة الأصدقاء المقرَّبين، أمرٌ ضروري.
هذه القواعد، رغم بساطتها ، إلّا أنها تجعل الحياة أفضل وأكثر سعادة ، ومن المهم القراءة دائماً عن قصص الملهمين والإستفادة من تجاربهم.
jebadr@