عبدالله صقر- مركز المعلومات
كان الكندي أول فيلسوف عربي يهتم بموضوع الفيزياء، ويعتبر من أوائل الذين تطرقوا لمفهوم وفكرة النسبية، فقد صرح بأن العالم المادي وجميع الظواهر المادية تتسم بجوهرها النسبي، حيث تعد النسبية جوهر قانون الوجود.
فهو أول من وصف مبادئ ما يعرف الآن بالنظرية النسبية، فقال: إن الوقت والفراغ والحركة والأجسام هي قيم نسبية لبعضها البعض، كما هي نسبية لمشاهدها، بينما قال علماء الميكانيكا التقليديون (غاليليو ونيوتن) بأنها قيم مطلقة، حتى جاء ألبرت آينشتين ليؤكد ما قاله الكندي.
يعتبر الكندي أن الزمان والفراغ والحركة والجسم جميعها نسبية (محددة ببداية ونهاية) وليست مطلقة (لانهائية).
وهذا ما اكتشفه لاحقاً العالم الألماني “ألبرت آينشتاين” بعد وفاة “الكندي” بألف عام، والتي صاغها آينشتاين لاحقًا فيما عُرف بـ«النظرية النسبية».
الزمان والحركة والجسم
يقول الكندي:” إن كانت هناك حركة وجد زمان، وإن لم تكن هناك حركة لم يكن زمان”.
يعد الكندي أول من نادى بالزمن كعنصر أساس في بنية الكون، ولزمه بحركة الجسم أي سرعته، فهو يعتبر أن العالم مؤلف من ثلاثة عناصر: الزمان- الحركة- الجسم (الجرم).
وهذه كلها متناهية( أي لها نهاية) ولها بداية، وبالتالي فهي حادثة.
1– الزمان: متناه؛ إذ لا يمكن أن يكون لا نهاية له، لأن الجرم المتحرك متناه، ومن ثم حركته متناهية، وبما أن الزمن مرتبط بحركة الجسم الأمر، الذي يؤدي إلى تلازمه مع المكان، فالزمان والمكان مترابطان ويشكلان بنية واحدة (الزمكان).
2– الحركة: وبما أن الزمان متناه فالحركة متناهية أيضاً، لأنه هو عدد الحركة، أي هو مدة تعدها بالحركة، فإذا كانت هناك حركة كان هناك زمان، وإذا لم تكن هناك حركة، لم يكن هناك زمان، وهذا يؤكد ترابط الزمان مع سرعة الأجسام.
3– الجرم (الجسم): وبما أن الحركة متناهية وهي حركة الجسم، فالجرم يجب أن يكون متناهياً، وبالتالي الجرم والحركة والزمان متناهية ولها بداية، ومن ثم فهي محدثة، وإن الجرم لا يسبق الزمان والزمان ملازم الحركة، أي أن الجرم والحركة والزمان لا يسبق بعضهما بعضاً، فهي كلها متناهية، وبما أن العالم يتكون منها فهو أيضاً متناه، وبالتالي محدث وللعالم مُحدث هو الله تعالى، وهذا يقترب من مفاهيم الفيزياء الكونية والنظرية النسبية ونظرية الانفجار الكوني في العصر الحديث.
علم البصريات
أول من وضع أسس علم البصريات الحديث هو الكِندي، العالم الموسوعي الذي شكّ في نظريات الرؤية لدى الإغريق، فقال: إن مخروط الرؤية لا يتعلق بأشعة غير مرئية، كما قال إقليدس (Euclid) بل يبدو ككتلة ذات ثلاثة أبعاد من الشعاعات المستمرة.
وفي القرن السادس عشر، قال عالم الفيزياء والرياضيات الإيطالي جيرونيمو كاردانو: إن الكندي يعد واحداً من اثني عشر عقلاً عملاقاً في التاريخ، لأنه بحث كيفية سير أشعة الضوء على خط مستقيم، وتحدث عن الإبصار بمرآة ومن دون مرآة، وعن أثر المسافة والزاوية في الإبصار وفي الخداع البصري.
كان لإسهامات المسلمين في علم البصريات نسق آخر متطور وفريد، وذلك نظرًا لنبوغهم في العديد من العلوم المرتبطة بهذا العلم، ففي أول الأمر كان علم البصريات عند الإغريقي يحوي رأيين متعارضين: الأول: وهو دخول شيء ما يمثل الجسم إلى العينيين، والثاني: الانبعاث، أي حدوث الرؤية (الإبصار) عندما تنبعث أشعة من العينين وتعترضها الأجسام المرئية.
وقد ظلَّت الحضارة الإغريقية تتناول البصريات بأخذٍ وردٍ بين هذين الرأيين، وكان لأرسطو مجهودات في هذا المجال، لكنها تفتقر إلى تفصيل حتمي، وكذلك إقليدس رغم مجهوداته الملموسة، إلا أن نظرياته كانت قاصرة على تقديم شرح كامل للإبصار؛ لكنها أغفلت العناصر الفيزيائية والفسيولوجية والسيكولوجية للظواهر البصرية؛ إذ ذهب إلى أن العين تُحدِث في الجسم الشفاف المتوسط بينها وبين المبصَرَات شعاعًا ينبعث منها، وأن الأشياء التي يقع عليها هذا الشعاع تُبْصَر، والتي لا يقع عليها لا تُبصَر، وأن الأشياء التي تُبصَر من زاوية كبيرة تُرى كبيرة، والتي تبصر من زاوية صغيرة تُرى صغيرة.
وقد ظلَّت البحوث في علم البصريات تدور في هذا الفلك السابق دون تقدم، وبقيت على ذلك حتى جاءت الحضارة الإسلامية، فكان لإسهامات المسلمين في علم البصريات أثر كبير في تطور هذا العلم. أما أشهر علماء البصريات المسلمين فهما: يعقوب بن إسحق الكندي، ومن بعده ابن الهيثم.
كتب الكندي مقالتين في علم البصريات الهندسية والفيسيولوجية، اطلع عليهما واستخدمهما فيما بعد العالم الإنجليزي روجر بيكون في القرن الثالث عشر، وكذلك العالم الفيزيائي الألماني وايتلو (Witelo)، وجاء في مقالة العالم الدنماركي سباستيان فوغل (Sebastian Vogl) من القرن العشرين: «إن روجر بيكون لا يَعد الكندي واحداً من سادة الرسم المنظوري- فحسب- بل كان هو وأمثاله في المنظور الخاص به، يرجعون إلى الكندي ويأخذون من علمه في البصريات».
انطلق الحسن بن الهيثم في القرن العاشر من التساؤلات التي طرحها الكندي، الذي قال: إن الرؤية تحصل بسبب انكسار أشعة الضوء.