اجتماعية مقالات الكتاب

التربية بالحرمان

فكرة التربية القائمة على الحرمان، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، تبدو فكرة بعيدة كل البعد عن واقع عالم اليوم ، وبدلاً من الحدّ من قدرة أطفالنا على الوصول إلى الأدوات الأساسية، ينبغي علينا أن نتبنّى المشهد المتطوِّر للتعليم ونزوّدهم بالمعارف والمهارات التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح في مجتمع رقمي متزايد.

أذكر أنني كنت حاضراً في مجلس دار‏فيه نقاش بين الآباء حول أساليب التربية، وكان لكل واحد منهم أسلوبه الخاص في التربية ، وقد اشتدّ النقاش، عندما قال أحد الحاضرين إنه يمنع أولاده من إستخدام التقنية أوإقتناء الجوّالات بشكل قاطع ، وأنه يرى في سياسة الحرمان هذه، وسيلة جيدة للتربية ،وحمايةً لهم من أي مخاطر محتملة ، وضرب لنا مثلاً بنفسه وأصدقائه الذين من جيله!

هذا الرأي أثار حفيظة بعض الجالسين الذين استنكروه، ظناً منهم أن أسلوب الحرمان والمنع يقود إلى ‏تعّقيد الأبناء،والشعور بالنقص، ولا علاقة له بالتربية ، فممّا لا شك أن تأديب الأبناء وتربيتهم التربية الصحيحة ، من المسائل المهمة جداً في تكوين شخصية الطفل.

من منظور شخصي ،أرى أن سياسة الحرمان المطلق هذه ،غير مجدٍّية ،ولاسيما في الوقت الذي نعيشه اليوم. ففي العصر الرقمي ، أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا غنىً عنها في حياتنا ، فمنذ اللحظة التي نستيقظ فيها، نعتمد على أدواتها في التواصل والترفيه والتعليم.

‏لا أريد أن أتحدث هنا عن تمّكين الأطفال من التكنولوجيا في سن مبكِّر، لأن هذا الموضوع محل جدل حتى الآن،مثله في ذلك مثل سياسة المنع والحرمان كأسلوب تربية ، والتي هي بحاجة إلى نقاش أيضاً.

ولا التحدث عن حرمان الأطفال من الأمور المضرة مثل الدخان أو المخدرات ، أو الأمور التي تدمّر الجسم والعقل، فهذه تحريمها واجب، أمّا تحريم الأمور التي أصبحت من أجل الحرمان بالضرورة ، لا سبب واضح سوى أن الآباء لم يتعاملوا معها في سنهم ،فهو أمر خاطئ، على الأقل من وجهة نظري الخاصة .

لقد نسي من يتبنى مثل هذا الفكر ، قول الإمام علي بن أبي طالب:”لا تربّوا أبناءكم على ما أنتم عليه، فقد ولدوا لزمان غير زمانكم”، علماً بأن هناك من يرى أن تربية والده القاسية له كانت سبباً في نجاحه المهني أو تفوقه التعليمي، وعليه يجب أن يعرِّض أبناءه لذات المعاناه التي تعرَّض لها في صغره، ومنها الحرمان من بعض الأمور التي قد تبدو ضرورية، ظناً منه أن هذا يساعدهم على التفوق.

شخصياً لا أتبنّى هذا النهج ولا أشجِّع عليه ، فهذا الأب الذي قرّر أن يتخذ أسلوب أبيه في تربية أبنائه، يعلم علم اليقين أن أساليب التعليم تغيّرت ، وليست كما هي في زمن والده ، إذ دخلت فيها التكنولوجيا.
الكتاب المدرسي سوف ينقرض قريباً ،ويستبدل باللوح الإلكتروني “الآيباد”، و باستخدام التعلُّم الإلكتروني والتطبيقات التعليمية الأخرى ، يمكن للأبناء التعلُّم بالسرعة التي تناسبهم، واستكشاف مجموعة واسعة من المواضيع، والوصول إلى المعلومات التي قد لا تكون متاحة لهم بطريقة تقليدية قديمة.

أحد الآباء اكتشف أن إبنه أصبح محترفاً في الكمبيوتر لدرجة أن أصبح ماهراً في البرمجة، رغم أنه حُرم من إقتناء كمبيوتر أو جوّال ، باعتبارهما من المُلّهيات ومضّيعة للوقت ، إلا أن سياسة الحرمان قادته للتعلم سراً وإيجاد أي وسيلة للوصول إليهما دون أن يشعر والده بذلك.
إن فكرة التربية القائمة على الحرمان، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، تبدو بعيدة كل البعد عن واقع عالم اليوم ،وبدلاً من الحدّ من قدرة أطفالنا على الوصول إلى الأدوات الأساسية، ينبغي علينا أن نتبنّى المشهد المتطوِّر للتعليم ونزوّد أبناءنا وبناتنا بالمعارف والمهارات التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح في مجتمع رقمي متزايد.
خلاصة القول إن عملية ‏التربية برّمتها، تكمن في المراقبة والتوجيه.

jebadr@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *