اجتماعية مقالات الكتاب

بين رد الجميل ونكران المعروف

تواجه الإنسان في مسيرة حياته العديد من المواقف الإيجابية والسلبية، والعاقل من يتعامل معها بحكمة وصبر واحتساب، والحكايات والمواقف التي تأتي ضمن بعض مقالاتي، ليست من نسج الخيال، بل هي من صميم الواقع، والحكاية التي سأوردها في هذه المقالة يرويها من أثق في صدق حديثه.

يقول الراوي :(في السبعينات الهجرية تعرفت على أحد الجيران من دولة عربية مجاورة، وكان للجيرة آنذاك منزلة رفيعة وشأن عظيم، فما أن يسكن بجوارك شخص جديد ، إلا ويُقابل من الجيران بالترحيب والإكرام تأسّياً بالحديث :(ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).

ومع مرور الوقت توطّدت العلاقة بيني وبينه، ولضائقة مالية حلت به، استقرضني مبلغاً من المال فأعطيته تحقيقاً لمبدأ الجيرة وحسن الظن، ولم أطالبه “بسند” استحياءً وعلى أمل أنه سيكتب السند لأنه حق شرعي في مثل هذه الحالة، وقد سلمته القرض نقداً لأن المصارف كانت في تلك الفترة قليلة جداً وقلة من يتعامل معها، ومعظم المواطنين مخزوناتهم المالية في بيوتهم.
انتهت المدة التي وعدني بالتسديد خلالها، إلا أنه لم يبر بوعده، وبدافع الخجل والاستحياء والتذكير، قلت له: ترى موعد القرض حل من فترة؟ قال لي: أبشر خلال فترة وجيزة وهي عندك.

غبت في مهمة عمل وبعد عودتي فوجئت أنه سافر هو وأسرته إلى بلده، فسألت ابني :هل سأل عني جارنا فلان؟ قال: لا، لكنني علمت أنه سافر وسلم البيت لمالكه. قلت في نفسي لعله علم بغيابي وسيرسلها لي فيما بعد.
بعد مرور شهرين على سفره دون أن أتلقى خلالها رسالة منه، ولعدم معرفتي بعنوانه، ذهبت لأحد جماعته، بطلب تزويدي بعنوانه فاعتذر لعدم معرفته، لكنه قال أنه سيسافر قريباً، قلت له: سأكتب له رسالة تسلمها له وتأتيني بردها منه أو يتصل بي، وفعلاً حررت له رسالة وجاءني ردها مع المرسول شفاهياً تضمن نكرانه للقرض وأقسم يميناً أمام المرسول وأمام إبنه بأنه لم يقترض مني أي مبلغ، فرفعت يدي إلى الله ودعوته أن يأخذ لي حقي منه إن عاجلاً أو آجلاً فهو حسبي ونعم الوكيل؟.

وبعد مرور ثلاثة أشهر من رده لي، فوجئت بأحد جماعته ومعه شاب وقال لي هذا ابن جارك فلان أرسله إليك ومعه مبلغ القرض الذي استدانه منك ويطلب منك العفو والسماح لأن والده حصل عليه حادث وأصيب جرائه بشلل رباعي وهو بين الحياة والموت.
أخذت مبلغي وسامحته لوجه الله ودعوت له بالشفاء.
خاتمة:
عدم الاغترار بالمظاهر الخلابة لأنها ليست مقياساً في تقييم الإنسان فكثيراً من المظاهر الخادعة تظهر ما لا تبطن، والله يمهل ولا يهمل وبعض العقوبات يعجّل بها الله في الدنيا قبل الآخرة، وخاصة ما كان منها (ظلماً).
وبالله التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *